اختلفت الروايات التاريخية، على أقدم رواتها، حول الأسباب التي كانت من وراء اغتيال إدريس بن عبدالله، في الوقت ذاته تباينت مضامينها حول السنة التي تم فيها هذا الاغتيال.
إن الحوليات التي احتفظت بها المصادر المتعلقة بوفاة إدريس بن عبد الله لم تنج حتما من الالتباس. فهذه التواريخ تثير مشاكل يصعب فك رموزها المشتبكة. إذ تكاد تجمع المصادر الإدريسية على أن إبراهيم بن الأغلب، المؤسس الحقيقي للإمارة الأغلبية ببلاد إفريقية، ساهم بقسط وافر في اغتيال إدريس الأول، وذلك بتقديمه العون الكامل لمبعوث الرشيد العباسي.
إن عدم وضوح وضعية تدغة السياسية من جهة واضطراب المصادر من جهة ثانية، تدفعنا إلى الاعتماد على تواريخ النقود الإدريسية التي ضربت بمدينة وليلي، باعتبارها العاصمة السياسية آنذاك. إن الإشارات القليلة التي أوردها المؤرخون عن شخصية إدريس بن عبدلله قبل قيام الإمارة قليلة جدا، يفهم من شذراتها أنه كان من العلويين الذي سعوا إلى الإطاحة بخلافة بني العباس. فقد شارك وكباقي الطالبيين في معركتي المدينة وفتح، وبعد انهزامهم في الأخيرة سنة (169ه-785م) فر برفقة مولاه راشد إلى المغرب الأقصى.
تقف الرواية التاريخية هنا ليبدأ الغموض والإبهام من جديد، وتتراكم سلسلة من الأحداث المتقاربة، أحيانا، والمتناقضة، أحيانا أخرى. ويظهر هذا التناقض جليا حول تاريخ وصول إدريس الأكبر إلى المغرب الأقصى وقيام الإمارة دون دعوة سابقة.
لم تفرد المصادر القديمة عناوين مستقلة للإمارة الإدريسية، بل جاءت أخبارها متفرقة بين شذرات السطور، وحتى أولئك الذين اهتموا بجانب من جوانبها بالغوا في الاختصار وأهملوا ذكر الكثير من المعلومات، بينما أطال ابن أبي زرع الفاسي وعلي الجزنائي والحنبلي والسنوسي في التفاصيل. ولعل من الواضح، أن هذه الروايات ما هي في الواقع سوى انعكاس لرؤى أصحابها وثقافة عهودهم. لقد أضحت الخلافة في المشرق، ومنذ ثورات الأمازيغ سنة 122ه، عاجزة عن استرجاع أطراف الخلافة العربية عن طريق الفتح عنوة أو صلحا ما دامت أرض المغرب أسلم عليها أهلها، وظهرت فيها إمارات إسلامية مستقلة وإن كانت لا تجاري النهج العقدي لدولة بني العباس. فالمؤرخون، الذين تحدثوا عن الأدارسة، تحاشوا استعمال ألقاب يفهم من مضمونها النزعة الاستقلالية للأدارسة عن دار الخلافة كأمير المؤمنين والخليفة، واستعملوا مكانها لقب الإمام، وهو اللقب الذي عرف به الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب، وإن كانت المصادر المرينية تستعمل من حين لآخر تعابير مثل دار ملكه. أصبح المغاربة، إذن، يتعاملون مع “دولة” جديدة هي دولة “الإمام”، وقد تمتع إدريس الأول، ثم من بعده إدريس الثاني في المغرب الأقصى بحظوة كبيرة كادت تصل حظوة أمير المؤمنين في المشرق الذي من حقه المطالبة ببسط نفوذه على جميع المسلمين، وعلى امتداد دار الإسلام. ولابن خلدون تفسير لهذا المصطلح ذكر أن العلويين “..كانوا كلهم يسمون بالإمام، ما داموا يدعون في الخفاء، حتى إذا استولوا على الدولة حولوا اللقب إلى أمير المؤمنين”.
محمد صدقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 7 من مجلتكم «زمان»