لم يقدر ثالث سلاطين الدولة السعدية كلفة تحديه السلطان العثماني سليمان القانوني في منازعته الحكم على مصر، فانتهى الأمر برأسه في كيس مملوء ملحا وعلقت بباب القلعة في القسطنطينية.
“سلم على أمير القوارب سلطانك. وقل له إن سلطان المغرب لابد أن ينازعك على عمل مصر، ويكون قتاله معك عليه إن شاء لله، ويأتيك إلى مصر. والسلام”. كم كانت هذه الكلمات مكلفة لمحمد الشيخ المهدي، ثالث سلاطين الدولة السعدية، وموحد المغرب تحت رايتها سنة 1549. لقد تسببت في قطع رأسه بأبشع طريقة، بشاقور، وحمله في كيس مملوء بالملح إلى القسطنطينية، حيث عرض أمام السلطان العثماني سليمان القانوني، قبل أن يعلق على باب القلعة.
لعب على الحبلين
عندما دخل محمد الشيخ المهدي مدينة فاس، نهاية يناير 1549، كان ذلك إعلانا صريحا عن أن المغرب الموحد عاد من جديد ليعلب دوره كفاعل أساسي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. كان الإسبان والبرتغال الأكثر توجسا من القادم الجديد، خاصة أن شبح جبهة مغربية عثمانية لمواجهة النصارى وتحرير الثغور، كانت بوادره تلوح في الأفق. بل إن اتفاقا وقع بين الطرفين، يحصل بموجبه الأتراك على المراسي البحرية بعد تحريرها (وهران والمرسى الكبير)، فيما يحصل المغرب على مدينة تلمسان التي استولى عليها العثمانيون للتو. لكن سلطان المغرب، محمد الشيخ، كان في الواقع يلعب على الحبلين. فدون أن يتنصل من الاتفاق مع العثمانيين، نجده يستقبل أعيان تلمسان، المستائين من الغزو التركي، وقد جاؤوا لدعوته إلى طرد الأتراك ودخول المدينة. وهي الدعوة التي لم يتردد في الموافقة عليها، بل وعد أعيان تلمسان بامتيازات مالية. وفي 9 يونيو 1550، دخلت جيوشه، تحت قيادة أبنائه الثلاثة، المدينة دخول الفاتحين. كان هذا بمثابة إعلان حرب على العثمانيين الذين لم يتأخر ردهم طويلا. وبعد محاولة أولى فاشلة، نجحوا في استرداد المدينة إثر معركة دامية مزقت أوصال الجيش السعدي وتسببت في قتل قائده وولي العهد، المولى الحران، في ساحة الحرب.
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 7 من مجلتكم «زمان»