في شهر غشت، فاجأت الإمارات العالم بالإعلان الرسمي عن تطبيعها مع إسرائيل، عبر وساطة من الولايات المتحدة الأمريكية. وتبع هذا الإعلان تحليلات وآراء إعلامية عبرية وأمريكية تضع دولا عربية في قطار الملتحقين بركب الإمارات، في مقدمتهم المغرب.
لم تمض إلا ساعات من إعلان الإمارات عن تطبيعها مع إسرائيل، حتى انهالت تخمينات وتحليلات من واشنطن وتل أبيب تستقرئ الواقع الدبلوماسي، وخرجت باحتمال تطبيع المغرب بشكل رسمي مع إسرائيل، بناء على عدة اعتبارات ومشتركات بين الجانبين، فضلا عن “آمال” وزير الخارجية الأمريكي بالتحاق دول عربية أخرى. التطبيع أو محاولات التطبيع ليست وليدة الآن، فقد سعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة، لكن وصول دونالد ترامب لسدة الرئاسة، جعل ضغوطها بشكل فعلي على الدول العربية، وتحولت إلى صفقة سميت بـ”صفقة القرن”. هذه الصفقة، التي رفضها المغرب، ما تزال ضغوطها جارية على المملكة عبر عرض امتيازات ومساومات أمريكية، أبرزها اللعب بورقة الصحراء المغربية بحسب ما كشفته مؤخرا وسائل إعلام عبرية. وفي شهر فبراير عبر المغرب عن موقفه، عبر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وقال إنه «ينطلق من ثوابت المملكة، ملكا وحكومة وشعبا، في تعاملها مع القضية الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه، وفي مقدمتها إنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ورفض كل محاولات تهويد القدس والاعتداء على الحرم القدسي والمسجد الأقصى». لكن هل سرّعت الإمارات الأمور وأحرجت الدول العربية الأقل خصومة مع إسرائيل، في مقدمتها المغرب، نظرا لما تشترك فيه إسرائيل مع المغرب، بحيث تفتخر نسبة كبيرة من الإسرائيليين بهويتهم المغربية ويهوديتهم في نفس الوقت؟
يرى خصوم التطبيع أن تلك القواسم لن تجعل المغرب ينصاع لمزالقها بكل سهولة، فللسياسة حسابات أخرى؛ أبرزها وجود قوة جماهيرية مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ويحركها الإسلاميون بكل تياراتهم، ويتفق معهم كذلك السياسيون بمختلف أطيافهم. كما أن المغرب يرعى “لجنة القدس الشريف”، ويفتخر الفلسطينيون بدعم المغاربة لهم.
لكن ما قامت به الإمارات مؤخرا قد يحرك الماء الراكد، فلحد كتابة هذه السطور، لم يصدر أي بلاغ رسمي، حول ذلك. وكل ما في الأمر أن العثماني قال إن المغرب «يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني». وهي تصريحات ليس بصفته رئيسا للحكومة وتحت قبة البرلمان، بل في إطار كلمته بالملتقى الوطني لشبيبة حزبه (يوم 23 غشت). وتعتبر تصريحات العثماني إعادة لصياغة موقف المغرب من صفقة القرن، وليس حول المتغيرات الطارئة لتطبيع الامارات أو عدم الخضوع للضغوط الأمريكية. لهذا ولو أنها تصريحات سياسية، فهي “متسرعة” لأمين عام حزب يقود الحكومة، وقد تضع المغرب وقراراته السيادية في حالة ترقب للأوضاع الديبلوماسية أكثر مما كان عليه من قبل. يرى مراقبون أنه لولا حضور الإسلاميين في الساحة السياسية ووزنهم لربما بادر المغرب على الأقل إلى التعليق عما جرى مؤخرا، بل يذهب آخرون أن مستقبل التطبيع قادم لا محالة، لا سيما بعد سنة 2021، أي فترة تقهقر قوة الإسلاميين بعد الانتخابات.
من جانب آخر، تجذر الإشارة أن المغرب يعد في مقدمة الدول الإفريقية الأكثر نشاطا على المستوى التجاري مع إسرائيل، إذ تصدر في العقدين الأخيرين، المرتبة الأولى على المستوى المغاربي، بما قيمته 500 مليون دولار. ورغم التكتم حول حقيقة الأرقام والسرية المحيطة بها، إلا أن إسرائيل تراهن على الحفاظ على مبادلاتها التجارية مع المغرب كأحد أهم خمس دول في القارة الإفريقية.