بعيد استقلال المغرب، صدر ظهيران يهدفان إلى متابعة ومحاكمة بعض من ساهموا في دعم سلطات الحماية، غير أن القصر ارتأى طي هذا الملف للحفاظ على التوازنات السياسية والاجتماعية القائمة.
بتاريخ 11 أبريل 1958، صدر بالجريدة الرسمية للمملكة المغربية نص ظهير شريف يتعلق بـ”إحداث لجنة البحث” وفق ما نص عليه ظهيران شريفان صدرا سنة قبل ذلك، واحد متعلق بـ”إحداث محكمة للعدل”، والآخر “يفرض الحصول على إذن سابق لإجراء بعض العلميات المتعلقة بالمنقولات والأصول”، مدعمان بمرسوم يسرد بالاسم الكامل والصفة أسماء 193 شخصية أطرها ظهير 1958 “جميع الأشخاص المنتمين إلى الجنسية المغربية الذين قاموا عن قصد وطواعية بدور حاسم في إعداد أو تنفيذ أو توطيد مؤامرة 20 غشت 1953، أو ارتكبوا أعمال العنف ضد الشعب أو المقاومين وذلك من تاريخ 24 دجنبر سنة 1950 إلى 16 يونبر سنة 1955”.
وأوكل الظهير مهمة البت في الملفات للجنة مكونة من رئيس وأربعة أعضاء “معينين كلهم بظهير” (هم المختار السوسي رئيسا، والحاج محمد باحنيني، والبشير بلعباس، وعبد اللطيف بن جلون، وعبد اللطيف الفيلالي)، ولإعطاء العملية طابعا قانونيا عصريا يقطع مع الممارسات المخرنية التعسفية، اشترطت الوثيقة في مكونات اللجنة “لا يجوز أن يقع إي إشهار بأي وسيلة من الوسائل حول القضايا المعروضة عليها”، و”على أعضائها كما على الرئيس أن يلتزموا حفظ السر المهني”، كما أكدت على أنه من حق الأشخاص المتهمين “الدفاع عن أنفسهم إما شفويا أو كتابيا ولهم أن يستعينوا بمدافع مغربي الجنسية، أو أي شخص آخر يختارونه على شرط أن تقبله اللجنة”، و”في جميع الحالات يجب على كل شخص منهم أن يحضر بنفسه لدى اللجنة”.
وبصرف النظر عن حيثيات المسطرة الإجرائية، فإن ما يلفت الانتباه، هي طبيعة العقوبات المنصوص عليها، وأغلبها كان من تحصيل الحاصل بالنظر لانسحاب أغلب من خسروا معركة الاستقلال من الحياة العامة (عدم الأهلية الوطنية، المنع من الحق الانتخابي، الحرمان من مزاولة بعض المهن كالتعليم، والتجريد من الرتب العسكرية…). وعليه فإن أشد تهديد وأكثره مرارة تمثل في تفويض اللجنة “أن تقرر إما أصليا أو إضافيا، مصادرة أملاك الأشخاص الواردة ذكرهم في الفصل الثاني، كلا أو بعضا، إذا ما ثبت خلال البحث أن ثروتهم اكتسبت كلها أو بعضها إما بطريق غير مشروعة وإما بتجاوز الحد في استعمال السلطة أو استغلال النفوذ”. إن العقوبة الأخيرة هي ما اصطلح المغاربة على تسميته “التتريك”، وهي ممارسة معهودة كان يعمد إليها المخزن المركزي والمحلي للاستحواذ على ثروات الخصوم المهزومين، وأحيانا على ممتلكات خدام أوفياء اغتنوا خلال ممارستهم للسلطة بتفويض.
محمد حاتمي
تتمة المقال تجدونها في العدد 2 من مجلتكم «زمان»