حاول الحسن الثاني من خلال إصدار قانون المغربة سنة 1973 توسيع قاعدة الرأسمال المغربي وفتح أبواب الاستثمار في وجه الطبقة الوسطى. في ظرف سنتين، مدة العملية، اتضح أن القانون لم يؤد سوى إلى إغناء الأغنياء وإجهاض إمكانية بروز طبقة وسطى تساهم في الاستثمار.
ورث المغرب بعد الاستقلال نسيجا اقتصاديا يتشكل عموده الفقري من مقاولات أنشئت في عهد الحماية. أغلب الاستثمارات الصناعية والتجارية العصرية كان يملكها أجانب. في السنوات الأولى للاستقلال حاولت الدولة مغربة بعض هذه الاستثمارات عن طريق شراء حصص من الرأسمال الأجنبي، لكن مجال هذه المحاولات الأولى ظل محدودا. كان يجب انتظار صدور “قانون المغربة” سنة 1973 لتتم أكبر عملية لتوسيع حصة الرأسمال المغربي ضمن النسيج الاقتصادي العصري.
في ظروف سياسية صعبة، بادر الحسن الثاني إلى إصدار قرارين سنة 1973 يرميان لـ”استرجاع” جزء هام من الثروة العقارية والاستثمارية من الأجانب لصالح المغاربة. تميز السياق السياسي لهذه المبادرة بقدر كبير من عدم الاستقرار، ففي سنتي 71 و72 نجت الملكية من محاولتين انقلابيتين قادهما ضباط كبار في الجيش. مع ما تلا ذلك من محاولات الحسن الثاني التقارب مع المعارضة، وخاصة العرض الذي قدمه سنة 72 لقادة الكتلة الوطنية (الاتحاد والاستقلال) لتشكيل حكومة جديدة، انتهت إلى الفشل. ليعود التوتر من جديد من خلال محاولة انتفاض مسلح قاده اتحاديون سنة 1973. جاءت عملية المغربة، إذن، في ما يشبه سباقا بين الملكية والمعارضة، التي تعززت بالتحاق حزب الاستقلال بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد فترة توافق قصيرة مع الحسن الثاني، حول استمالة نخب المدن وإقناعها بإمكانية العيش وتحقيق الثروة والرخاء في ظل النظام الذي كان يقوده الحسن الثاني، ضدا على النموذج الذي كان يبشر به معارضوه.
في سبيل طبقة وسطى
في هذا الظرف السياسي الدقيق، صدر قانون المغربة الذي يلزم المستثمرين الأجانب بفتح رؤوس أموال شركاتهم أمام مستثمرين مغاربة، على أساس أن لا تقل حصة المغاربة في الشركات الأجنبية عن 50 بالمائة من رأس المال. الهدف المعلن لهذا المشروع هو دمقرطة الولوج لفرص الثراء، وتوسيع قاعدة الرأسمال المغربي بمستثمرين مغاربة جدد. وذلك يلخصه سعيد السعدي، الباحث الاقتصادي، في “مغربة وسائل الانتاج عن طريق المساهمة في تملكها من طرف مغاربة، بالموازاة مع عملية استرجاع الأراضي الفلاحية، وضمان توزيع أفضل للثروات بإشراك الفئات الصغرى والمتوسطة من المجتمع في هذا المسار”. لأجل ذلك، أنشأت الدولة صندوقا خاصا بدعم الراغبين في الاستفادة من عملية المغربة من خلال تمكينهم من قروض بنكية.
انطلاقا من هذا المبدأ يتساءل نور الدين العوفي، الاقتصادي المغربي، في أطروحته الجامعية حول المغربة عن حقيقة الفئات التي استفادت فعلا من العملية. في معرض إجابته على هذا التساؤل يرصد العوفي ملامح الفئات الاجتماعية التي كانت مؤهلة آنئذ للمشاركة في عملية المغربة، مستحضرا المعطيات الموضوعية للكلفة الدنيا للحصول على قرض يؤهل للمساهمة في هذه العملية، أي أولئك الذين يستطيعون توفير ضمانة مالية لا تقل قيمتها عن 500 ألف درهم، كشرط للحصول على قرض للاستفادة من مغربة شركة من الشركات الأجنبية التي كانت معنية بالعملية آنئذ.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 2 من مجلتكم «زمان»