يعود مصطلح اللحظة الشعبوية إلى عالم الاجتماع الأرجنتيني إيرنستو لاكلو، من يُعدّ مرجعا حول ظاهرة الشعبوية. واللحظة الشعبوية حين يفقد وضع ما مرجعية قيمية، أو منظومة مهيمنة حسب مصطلح غرامشي. الشعبوية قدَر الأزمنة الحديثة، وتمارس إغراء على الشعوب، وهو ما يحدو ببعض القيادات والاتجاهات أن تركب الموجة .الديماغوجية مكون من الشعبوية، ولكن الشعبوية أشمل وأعمق، وتلتقي حول عناصر منها تفشي شعور الخوف، الخوف من الحاضر والمستقبل على السواء مع الحنين إلى الماضي .وما يميزها هو النفور من التفسير العقلاني، واستعداء النخبة، أيا كانت، والتمترس في الهوية، والحدية في الآراء، أو ما يسميه جون لوك ميلانشون، زعيم فرنسا الأبية، بالدعوة للرحي… رحيل فئة، ورحيل أشخاص.
هل الشعبوية حل، كما يحلو للبعض أن يدفع؟ أم أنها عرض لأزمة، أو أحد تمثلات الوعكة الديمقراطية.
رياح الشعبوية تحوم حولنا، وينبغي أن نرصد الظاهرة ونفهمها من قِبل من يشتغلون بالأفكار. من منظوري لا يمكن للشعبوية أن تكون حلا، وإن كان يسوغ أن تكون معبرة عن أزمة .الارتكان إليها، وتوظيفها، لا يمكن إلا أن يكون عامل تأجيج للمشاكل وليس حلا لها.
عرفت، في شرخ شبابي، شخصا في مجالس أنس ملك ملأ الدنيا وشغل الناس، يعرض لقضايا معقدة بأسلوب ساخر .كان صاحب نباهة وحصافة، يُمتع ويؤنس، في أسلوب طريف، وهو أن يتغابى، كي يُعبر عن واقع الحال .كان دائم التبرم من كل شيء، من الغلاء، و من الإدارة، و من المجتمع، حتى لُقّب بالنقر (مع نطق القاف جيما مصرية)، وذهب لقبا عليه. إن سئل عن شيء، أيا كان هذا الشيء، رد بالجملة «حيت (حيث) ليسانس زادو فيه»، في جملة مُنغَّمة، كما لو هو يردد حربة من الملحون. لمَ احتبس المطر؟ «حيت ليسانس زادو فيه» .لمَ ارتفعت الحرارة؟ «حيت ليسانس زادو فيه». لمَ تفشى الانحلال؟ «حيت ليسانس زادو فيه» .لمَ يلبس طاقية مراكشية؟ «حيت ليسانس زادو فيه» .علاش ما تبلع فمك؟ «حيت ليسانس زادو فيه». ما لقتي مع من تمشي تنقر؟ «حيت ليسانس زادو فيه». علاش خسر المنتخب الوطني؟ «حيت ليسانس زادو فيه» .علاش ربح المنتخب الوطني؟ «حيت ليسانس زادو فيه».
كان الشخص مفرط الذكاء، ويبدي البلاهة، من فرط ذكائه، كي يوحي لمن يؤنس، أن هناك عنصرا مؤثرا في حيوات الناس، وهو ارتفاع الطاقة، ويُحدث عن واقع المجتمع من خلال تبرمه الدائم. كان لوحده برلمانا، وحركة شارع، وحراكا شعبيا، ومثقفا عضويا ونقديا، ولكن كل ذلك تحت السيطرة …في دائرة مجلس إمتاع ومؤانسة، لملك ملأ الدنيا وشغل الناس.
أفضّل تفسير “النقر“ الذي لا يخلو من وجاهة على خطابات الشعبوية، والأساليب الديماغوجية. كان “النقر“ يُحدّث أصحاب القرار، بأسلوب ساخر لتفادي الوقوع في أعراض الشعبوية، وتحسبا للأسوأ.
كان “النقر“ ابن زمانه، وعاش فترة صدمة البترول في سبعينيات القرن الماضي، وأدرك التحولات التي أفضت لها، وأرجعها لعامل ارتفاع أسعار الطاقة، أو «حيت ليسانس زادو فيه».
وها نحن أولاء فيما كان يردده “النقر“: «حيت ليسانس زادو فيه»، ولذلك ينبغي توقع كل شيء، بسبب ارتفاع سعر الطاقة.
حكومتنا لا تتحكم في الأسعار العالمية للطاقة، ولكنها يمكن أن تجد السبل للتخفيف من سعر الطاقة، أولها تقليص هامش ربح الموزعين، وهو ما يخفف العبء على المواطنين، ويحد من ثمة من شرقي الشعبوية الكاسح .ولا عيب الحديث لشعبنا، لغة واضحة، غير لغة البلاغات، من خلال “سياسيه“ أو “قادته“.
أخشى ما أخشاه، أن نُسأل غدا لماذا أضعنا ضربة الجزاء، ويكون الجواب: «حيت ليسانس زادوا فيه».
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير