نودع مرة أخرى سنة قديمة صارت من ماضينا، ونستقبل أخرى بكل أحلامنا وطموحاتنا وأمانينا، وفيروس كورونا لا زال جاثما على صدورنا. كنا نعتقد أننا لن نستهل السنة الجديدة إلا وكورونا أصبح جزءا من ذاكرتنا نروي قصتها للأجيال القادمة، لكن ها نحن اليوم لا زلنا نعيش هواجس الرعب التي تبثها المتحورات، وإغلاق الحدود، وإشاعات العودة إلى الإغلاق والحجر الجزئي، وتمديد العطل المدرسية، وتشديد الإجراءات الاحترازية، مما لا يبعث على الارتياح، ولا يمنح شعورا بالأمان والاستقرار، ويرخي بظلاله السيئة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
لذا، أعتقد أن ما نحن بحاجة إليه اليوم، في ظل وضع صحي غامض، وتصاعد أزمة “جواز التلقيح“، هو التواصل المستمر، وتنوير الرأي العام، والإجابات على كل التساؤلات. أظن أنه أقل ما يستحقه مواطن استجاب لكل الاجراءات، والتزم بكل القرارات، ولو كان ذلك على حساب قوته وقوت أبنائه.
عرفت السنة المنصرمة أحداثا سياسية محلية مختلفة، لكن أبرزها، بلا نزاع، يبقى هو السقطة المدوية لحزب العدالة والتنمية بعد عشر سنوات تامة من التدبير والتسيير، حتى أكثر المتشائمين لم يتوقع أن يحصل صاحب 125 مقعدا في الانتخابات السابقة على ثلاثة عشر مقعدا فقط، تسعة منها باللائحة الجهوية للنساء، وبمساعدة القاسم الانتخابي الذي قالوا إنه اختراع ليس له غرض إلا إضعاف حزب حي الليمون.
ليست هناك مؤشرات إلى اليوم على أن الحزب قد دخل مرحلة النقد الذاتي والمراجعة. لا أعتقد شخصيا أن عودة عبد الإله بنكيران لقيادة الحزب ستفي بهذا الغرض، وكأن الحزب طيلة ربع قرن وزيادة، لا زال عاجزا عن إنتاج قيادات جديدة، ولا زال لم يجد في صفوفه رغم كل ديناميته السابقة، من له من الكاريزما والحضور والتأثير سوى رجل من الجيل المؤسس، إن لم يكن المؤسس نفسه وباني الحقبة السابقة. لذا، لست متفائلا كثيرا، خصوصا مع عودة الحزب لمعاركه الهوياتية زمن المعارضة، والاعتماد مرة أخرى على الخطاب الشعبوي، والتلاعب بالعواطف الدينية، للتصالح مع المصوتين، بعد صدمات التطبيع والكيف وفرنسة التعليم؟، لذلك كله لست مرتاحا لمسار الحزب، الذي يعنيني كمواطن أن يكون قويا ومعارضا حقيقيا ولاعبا أساسيا مهما اختلفت مع توجهاته الإيديولوجية، لما فيه مصلحة الوطن.
على المستوى الخارجي، استمر مسلسل التطبيع الذي كان قد انطلق نهاية 2020 بتوقيع الاتفاق الثلاثي. حل وزير الخارجية الإسرائيلي بالمملكة، وافتتح ممثلية بلاده، حطت أول طائرة قادمة من تل أبيب على أرض مطار مراكش وبها مائة سياح إسرائيليين، وقعت الاتفاقات الأمنية والتجارية، واختتمت السنة بالزيارة الرسمية لوزير الدفاع الإسرائيلي، كل ذلك يعني أن الأمر محسوم ولا مجال للتراجع فيه، بل يسير بخط تصاعدي، كل ما آمله شخصيا، أن تتوالى مكاسبنا من هذا المسار، خصوصا ملف الصحراء الذي كان حجرة الزاوية في هذا الاتفاق، والذي يحظى بمزيد من الدعم الدولي، كان آخره بيان دول مجلس التعاون الخليجي بالرياض.
في مقابل ذلك، عرفت العلاقات مع ثلاث دول توترات عصيبة وغير مسبوقة، استقبلت مدريد زعيم البوليساريو بهوية مزورة من أجل تلقي العلاج، وتسببت أرانشا غونزاليس وزيرة الخارجية السابقة في أزمة غير مسبوقة بين البلدين، فيما عمدت برلين بدورها إلى محاولة التأثير على الموقف الأمريكي بعد اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء، وإلى دعم بعض الإرهابيين السابقين ومدهم بالمعطيات الاستخبارية لتشويه صورة المغرب، لكن ما يثلج الصدر حقا وبموضوعية، هو كيفية التدبير المغربي لهذه التوترات، ومعالجتها بصرامة ومعاملة الند بالند، دون أدنى تهيب من قوة الألمان أو أهمية الإسبان، والذي كان من نتيجته سعي الدولتين اليوم لإصلاح هذه العلاقات، والعودة بها إلى سابق عهدها.
لكن أسوأ ما عرفته هذه السنة، على المستوى الخارجي، هو استفزازات الجارة الشرقية الجزائر، رغم كل محاولات مد اليد التي بذلت من الطرف المغربي، ومراعاة العلاقات بين الشعبين، لا يزال النظام العسكري متماديا في محاولاته لجر المغرب نحو سيناريوهات ليس له حمل بها، فيما تتواصل هنا الإنجازات التي لا تحتاج لأزمات خارجية تغطي قصورها.
سنة جديدة نتمناها أن تحقق جزءا من أحلامنا وآمالنا العريضة، في مغرب أفضل، بتعليم أعلى جودة، وصحة أكثر تقدما، وإدارة أسرع في خدمة المواطن، في أجواء يسودها العدل وحماية حقوق الفرد والجماعة، وكل عام وأنتم بخير.
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي