وظف النظام الموحدي أسلوب الدسائس والمؤامرات من أجل احتكار الحكم، كما استعمله وزراء من أجل إقصاء المنافسين وإبعاد ذوي الحظوة.
لا تكشف المصادر التاريخية عن الدسائس والمؤامرات التي كانت تُحاك من طرف خلفاء الدولة الموحدية، فمن الصعوبة كشفها في ظل نظام سياسي كان يعتمد على السرية في تدبير الشأن اليومي والاستراتيجي، مما لم يترك للمؤرخين أثراً يُثبت تورّط رجالاته من خلفاء وأمراء ومستشاري القصر في قضايا لها علاقة بمؤامرة ما تتعلق بتصفية حسابات سياسية، أو التخلص من زعامة معينة، أو إبعاد نخب محدّدة من دائرة الحُكم والسلطة. لذلك، تبقى قراءة بعض الوثائق كالمراسلات الرسمية، أو التقاط إشارات من النصوص المصدرية، هي السبيل الوحيد للحصول على معلومات تسمح لنا بالوقوف على تجليات بعض أشكال المؤامرات والدسائس عند الموحدين.
منذ إعلان مراكش عاصمة لدولة المصامدة سنة 541هـ/ 1147م، بدأ الخليفة عبد المؤمن بن علي الـﯖومي يفكّر في آلية تضمن له استمرارية السلطة وتركيزها في يده دون اقتسامها مع مصامدة جبال دْرَنْ (الأطلس الكبير)، الذين كانوا يُشكلون عصبية الخلافة الموحدية باعتبارهم السند القبلي الذي قامت عليه الدولة الموحدية منذ ظهور حركة محمد بن تومرت الزعيم المذهبي للدولة.
وفي هذا السياق، كان أسلوب الدسائس والمؤامرات يدخل ضمن استراتيجية الخليفة الموحدي، الذي وظفه من أجل احتكار السلطة، وإقصاء المنافسين له سواء كانوا من أفراد أسرته، أو من العصبية المصمودية، خاصة منها تلك التي تنتسب إلى أسرة المهدي بن تومرت، لِمَا لها من شرعية تُمكّنها من الوصول إلى السلطة، فكانت لا تتَردّد بين الفينة والأخرى للمطالبة بحقها في المُلك، فكان ذلك يُشكّل تهديدا للخليفة الموحدي. لهذا، لم يكن هذا الأخير يتردد في البحث عن كل وسيلة يتم عبرها إعادة فرض سلطته والقضاء على خصومه، فكانت الدسائس والمؤامرات تصل إلى حد خلق مناخ للتوتر والاستفزاز يؤدي إلى مواجهات بين فصائل النظام، أو بالأحرى بين طرفي الجهاز الحاكم الذي كان يتقاسمه الخليفة الموحدي والسادة بني عبد المؤمن من العصبية الزناتية من جهة ثم قبائل المصامدة من جهة أخرى.
محمد العمراني
تتمة الملف تجدونها في العدد 57 من مجلتكم «زمان»