استأثر بالاهتمام قضية ما عُرف بإسكوبار الصحراء، (نسبة لبابلو إسكوبار بارون المخدرات الكولمبي الشهير) مع توقيف أشخاص من عالم الرياضة والسياسة ضالعين في أعمال جنائية وفساد، واستجواب آخرين .أنْ يخترق بارون مخدرات دولي مجال الرياضة ومجال السياسة في بلادنا، ليس أمرا عاديا ولا معتادا .ويُفهم مدى اهتمام الرأي العام للحدث، والمتابعة التي يحظى بها من لدن الصحافيين والمتتبعين. هو أمر مفهوم ومشروع، ولكن يُخشى الانفلات من خلال التحامل والتشهير والرغبة في الاقتصاص، مما من شأنه أن يُشوش على القضاء كي يضطلع بمهمته، فضلا عن التجريح المجاني قبل أن يقول القضاء كلمته. هناك مبادئ لا ينتطح فيها عنزان، كما يقول المثل، وهو أن القانون فوق الجميع، ولا أحد فوق القانون. وهناك كذلك مقتضيات عامة، مرتبطة بفلسفة القانون، وهي أن كل شخص بريء إلى أن تثبت إدانته .إلى ذلك، فالقضاء ينبغي أن يشتغل في هدوء، وأن الدولة لا تشتغل بمنطق الثأر وتصفية الحسابات، ولكن بمنطق إحقاق الحق واحترام القانون.
لكن إلى جانب هذه الاعتبارات القانونية، هناك اعتبارات أخلاقية، من أجل احترام أُسَر المتابَعين أو المستجوَبين. الاستجواب ليس إدانة، وهو إجراء عادي لاستكمال البحث، ولا ينبغي أن يذهب “اجتهاد“ “المحللين“ إلى الإدانة، أو التشهير، أو الاستنتاج المُغرض، ولا “التأويل“ إلى المساس ببنية الدولة، والمشهد السياسي .وكل شخص مسؤول عن أفعاله، ولا يسوغ تحميل أشخاص ولو من ذوي القربي، مسؤولية جناة أو متابَعين.
وإلى ذلك، أيضا، هناك اعتبارات استراتيجية، إن صح هذا التعبير، مرتبطة بصورة المغرب .أن يتم متابعة أشخاص ضالعين في أعمال مشبوهة، إجراء ساري، ولا تسلم دولة من أحداث مشابهة بما فيها الدول الديمقراطية، ولكن أن يتحول الأمر إلى حالة من التحامل، والغلو في تكييف القضية، من شأنه أن يسيء لصورة المغرب، في وقت نحن أحوج ما نكون لنصونها أمام استحقاق المونديال، ولا نعدم “أصدقاء“ سيهتبلونها فرصة لتلحين النغم، على إيقاعات عدة، ويجعلوا من الحبة قبة، كما يقال .مسؤولية أصحاب الرأي والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، ألا تُحمّل الأمر أكثر مما يحتمل، ولا تجعل الأمر يتحول إلى اقتصاص، وتحامل، وتشهير.
بيد أن من مسؤولية الدولة كذلك احترام خصوصية الأشخاص، إن كانت هناك تجاوزات اقترفها المتابعون. وبتعبير أوضح، لا نريد قضية الحاج ثابت (bis) ثانية تُشهّر بأعراض الناس. ومن واجب الدولة استعمال الأدوات القانونية لوقف كل تشهير وتحامل.
الجهاز التنفيذي ليس هو القضاء، ولكن من واجب الحكومة أن تنطق، من أجل وضع القضية في إطارها، وتعمل للحد من التجاوزات .هناك أشياء ملحة ينبغي أن ينصرف إليها الاهتمام في ظرفية حرجة نجتازها، ويجتازها العالم. نحن مقبلون على سنة من الجفاف، وملف التعليم يراوح مكانه، وتداعيات الحرب على غزة من شأنها أن تغير خريطة العالم .
قضية إسكوبار ليست بداية العالم، ولا نهايته. ولا ينبغي في جميع الحالات أن تصرفنا عن الأهم. ولِنتركِ القضاء يضطلع بمسؤوليته في هدوء، والدولة بواجبها في احترام الضوابط القانونية والأخلاقية، والمجتمع المدني، من صحافة وأصحاب رأي وأحزاب، أن يتحلى بالمسؤولية، ولمَ لا بالحكمة.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير