يمكن إدراج نظام الحماية القنصلية ضمن الضغوط الاستعمارية الأجنبية التي مورست على المغرب طيلة القرن التاسع عشر لإضعافه تمهيدا لاختراقه. ففي أي سياق ظهر نظام الحماية في المغرب؟ وما هي الأشكال التي اتخذها، وماذا كانت آثاره السياسية والاقتصادية على وضع المغرب؟ هذه الأسئلة يجيب عنها يوسف أخليص، الأستاذ الباحث المتخصص في الموضوع.
ماهي جذور نظام الحماية في العالم؟ وفي أي سياق؟ ولأي غرض؟
ارتبط نظام المحميين بشكل عضوي بالامتيازات القنصلية في العالم الإسلامي (الإمبراطورية العثمانية والمغرب الأقصى وبلاد فارس)، منذ القرن 16م. واستهدف تقويض سيادة تلك الدول. ويعني أن الفئة الوازنة من سكانه غير خاضعة لسلطة الدولة، ومحصنة ضد قضائها وقوانينها ومؤسساتها، ومعفية من أداء الضرائب. وتعود جذور نظام الحماية الفردية إلى الامتيازات القنصلية التي منحت للتجار المسيحيين منذ العصر الوسيط، التي تمثلت في احتكامهم لقضاء وقوانين بلدانهم الأصلية، وعدم أداء الضرائب الشرعية كـ(الزكاة والأعشار والجزية)، والاكتفاء بدفع واجبات المراسي، واحتفاظهم بتمثيلهم القنصلي، أي أن القنصل هو المتحدث بإسمهم، والتقاضي أمامه والاحتكام لسلطته، وهو الساهر على تسهيل معاملاتهم التجارية والإدارية وحفظ ممتلكاتهم… كان القنصل يسمى في الأول من بين التجار أنفسهم، ليتحول فيما بعد إلى مؤسسة قائمة الذات معترف بها من قبل دول العالم، حيث تملكت مقرات دائمة بأهم المدن التجارية العالمية، خاصة بالمراسي.
غير أن تلك الامتيازات القنصلية كان معترفا بها في العالم الإسلامي دون غيره من الدول الغربية. وتمأسست هذه الامتيازات مع الرأسمالية الميركانتيلية، لتتحول مع الإمبريالية إلى ورم نخر المجتمعات الإسلامية. وبلغت مداها المتوحش مع ظهور الحماية القنصلية، وأفرزت أهالي متعاونين وتابعين للدول الغربية.
هل لعبت أحكام الشريعة الإسلامية دورا في سعي القوى الأجنبية لإحداث نظام الحماية؟
يمكن الجواب على هذا السؤال من زاويتين: زاوية داخلية تخص أحكام الشريعة والسلوك السياسي الإسلامي منذ عهد الرسول وعمر بن الخطاب حتى القرن التاسع عشر، وزاوية خارجية تخص المبررات التي كان يصوغها المسيحيون لانتزاع الامتيازات:
ففيما يتعلق بالشريعة، فإن الدين الإسلامي يحترم حقوق أهل الذمة ويقر بهويتهم المرتبطة بشعائرهم الدينية وتدبير أحوالهم الخاصة والإرث والأصول وغير ذلك، مقابل أداء الجزية. وترجم ذلك في السلوك السياسي للدول الإسلامية بدءا باتفاق الرسول مع يهود المدينة حتى العهدة العمرية مع أهل القدس. أما خارجيا فقد تحجج المسيحيون دوما بعدم مطابقة أحكام الشريعة مع حياتهم العامة والخاصة كتجار عابرين وليس أهل ذمة مستقرين، وبالتالي برزت ضرورة الإعتراف لهم بامتيازات، بدأت تجارية لتتحول إلى قنصلية ثم إلى حماية فردية.
حاوره عماد استيتو
تتمة الملف تجدونها في العدد 69 من مجلتكم «زمان»، يوليوز 2019