السنة التي أهلّت ستحمل سمات أمها سنة 2019، وإن لم نكن نعرف ملامح أبيها مما قد تفاجئنا به سنة 2020. 2019 هي السنة الي عرفت على المستوى الداخلي احتدام القضايا الاجتماعية، وانكماشا اقتصاديا، مس قطاعات كانت تعتبر أقطابا، وعرفت ما أسميته بظاهرة القطاع السياسي غير المهيكل، وتراجع سجل حقوق الإنسان.
سنة 2020 ستحمل كذلك ملامح السنة المنصرمة، أهمها على مستوى المحيط الإقليمي والدولي، مما عرفته الجزائر من حراك، أفضى إلى إيقاف مسلسل عهدة للرئيس السابق، انتهى بانتخاب رئيس جديد، في سياق جديد. وعرفت تونس انتخاب رئيس جديد بعد وفاة الرئيس السابق. وتعرف ليبيا تطورا محتدما، وتنازعا بين قوى إقليمية، وتتراوح فيها لغة الدبلوماسية مع لعلعة البنادق. وانتهى الحراك في السودان بعزل رئيس رفع راية الإسلام السياسي، وتغير الخطاب في السودان كما تغير الأسلوب. وعرفت منطقة الخليج تحولا دراماتيكيا بعد ضرب مصفات أرامكو البترولية في السعودية في سبتمبر من السنة المنصرمة، مما يغير قواعد اللعبة السارية، كما عرفت دول كانت خارج التغطية، حراكا يندد بالطائفية، كلبنان والعراق. ولم تسلم إيران من توتر داخلي، وهو توتر سوف يكون له ما بعده.
أما الغرب، فهو نفسه دخل سنة 2019 منعطفا. لم تهدأ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتداعياتها السياسية بفرنسا، وعرف معسكر الغرب تصدعا حول مصير الحلف الأطلسي، واعتبرته فرنسا في عداد الموتى، وقرص الرئيس الأمريكي أذن الرئيس الفرنسي في الذكري السبعين لإنشاء الحلف، المنعقدة بلندن، في نونبر المنصرم وأبان الاجتماع عن تصدع في الرؤى حول روسيا، وتخوف مشترك من الصين، واتفاق حول خطر الإرهاب. وكان أن تم القضاء على زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية”. وهو من دون شك تحول ينهي طوباوية تنظيم إرهابي يدير رقعة جغرافية، من دون أن يقضي على الإرهاب. أما الصين فهي بقدر ما تسجل اطرادا في النمو، بقدر ما دخلت في حرب باردة اقتصادية مع الولايات المتحدة. وهي تعرف كذلك سجلا سيئا في حقوق الإنسان، تطال بالإساس مسلمي الإيغور. وهو ملف لن يخمد.
يمكن أن أضيف حدثا سينتقل تأثيره إلى السنة الحالية بل المرحلة المقبلة وهو انعقاد تنظيم دول إسلامية بكولامبور يريد أن يكون بديلا لمنظمة التعاون الإسلامي، التي هي امتداد لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي أنشئت بالرباط سنة 1969. يرى التنظيم الجنيني بأن منظمة التعاون الإسلامي متجاوزة، وهو ما سيفتح شرخا بداخل العالم الإسلامي مع حلفين متضاربين. هي ذي التحولات الكبرى، التي لسوف سينتقل تأثيرها للسنة المقبلة، وستؤثر بالطبع على المغرب.
لا يمكن أن نزعم أن بلدا في العالم يمكن أن يوجّه مجرى الأحداث إلى ما يبتغيه، فبالأحرى بلد بحجم المغرب، ولكن يمكن أن نقرأ الأحداث، أو القواعد الناظمة لها، ونتفاعل معها، كي نحد من تأثيرها السلبي، أو نوجهها إيجابيا لصالح مصالحنا. لكن ذلك يفترض إعادة هيكلة الجبهة الداخلية.
لا يمكن إلا أن نتمنى التوفيق للجنة التي تفكر في نموذج تنموي، بل نعتبر أن طرح الموضوع ينبني على جرأة، مثلما نثمّن المقاربة التي اعتُمدت من خلال الجرد، لكن هذا التفكير، وحتى الإنجاز لا يمكن أن ينفصل عن السياق العام، أو باستعمال تعبير متداول، من دون تنقية الأجواء الداخلية، منها ما أشرت له من ضرورة استعادة السياسة لعنفوانها، من خلال دور فعال للهيئات الوسيطة، ومنها استعادة المثقف لدوره، لأن استشراء القطاع السياسي غير المنظم، هو نتيجة لإضعاف الهيئات الوسيطة، والإزراء بدور المثقف، وبالتبعية لا بد للجامعة أن تستعيد دورها. وحتى القطاع السياسي نفسه لا يمكن أن يضطلع بدوره في غياب مصالحة، والمصالحة، كل مصالحة مؤلمة، ولكنها ضرورية لتمتين العقد الاجتماعي. أتوقف هنا، لأني أعتبر أن الرسالة وصلت كما يقول الإعلاميون، ولأني أريد حلا وليس النكاية. يمكن حينها لرياح العالم أن تهب، بالأنواء والأعاصير، ما دام البيت الداخلي محصنا.
كان المرحوم الملك الحسن الثاني يحب أن يستشهد بأبيات لميخاييل نُعيمة :
سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح واهطلي بالمطر
لست أخشى خطر
هل يمكن لأحد أن يزعم بأن رياحا عاتية تهب على العالم تأتي على ما تواتر من رؤى اقتصادية وقواعد ناظمة للعلاقات الدولية، ستوفر بلدا ما؟
لمواجهة الأعاصير لا بد من تمتين الجبهة الداخلية وخصوبة الخيال. أبان المسؤولون على قدرة كبيرة على الالتئام، مما يدخل من دون شك في الثقافة السياسة المتجذرة في المغرب. وهل من العيب أن نُذكّر بالمقتضى الأول، بمصالحة تعيد للعقد الاجتماعي قوته كي نردد في ثقة «لست أخشى خطر»، أما إن لم نُجرِ المصالحة، فكيف لا نخشى حينها الخطر. كفانا الله شره.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير