ما أغرب بعض تفاصيل الحياة السياسية في بلادنا. منذ أسابيع عديدة وحزب رئيس الحكومة يطالب بكشف النتائج الرسمية لانتخابات 4 شتنبر الماضي، دون أن تستجيب وزارة الداخلية! الوزارة التي يفترض أن رئيسها هو رئيس الحكومة نفسه. يحدث هذا بعد أن أصبح رئيس الحكومة “رسميا” المشرف الأول على الانتخابات، وهو الأمر الذي تم إعلانه في بلاغ صادر عن المجلس الوزاري، أي أعلى سلطة تنفيذية دستوريا، بضعة أشهر قبل انتخابات السنة الماضية.
معلوم أن تحرير “الإرادة الشعبية“، كيفما كانت، ما يزال الرهان الأساسي للانتخابات في بلادنا. الإحجام عن كشف النتائج النهاية للانتخابات لا يعني سوى شيء واحد، أن وزارة الداخلية لا تريد كشف حقيقة الإرادة الشعبية كما عبر عنها الناخبون في 4 شتنبر الماضي. الظاهر أن الأمور تراوح مكانها. لا أدل على ذلك من هذه المواجهة المدهشة حول كشف نتائج الانتخابات رسميا. على بعد أشهر قليلة من موعد 7 أكتوبر يتضح أن سيادة الإرادة الشعبية، تماما، ما يزال أفقا لم يدرك بعد. ها هو رئيس الحكومة نفسه يحذر من التلاعب بنتائج الانتخابات المقبلة، بمناسبة كلمته في المؤتمر الاستثنائي لحزبه يوم 28 ماي الماضي.
يفهم من كلام رئيس الحكومة أنه لم ينجح في بلوغ هذا المستوى من الانتقال نحو الديمقراطية، نحو ضمان السيادة الشعبية، مهما كانت نتائجها. ربما لذلك دعا المواطنين، كما قال في كلمته، ليكونوا شهودا على ما يجري من مواجهة مع القوى التي لا تريد السير في هذا المسار. في هذا الإطار أيضا، يمكن أن نفهم دعوته أعضاء حزبه كي يحثوا المواطنين على التسجيل في اللوائح الانتخابية، في حين تنكر أحزاب أخرى على الإسلاميين حملتهم لتسجيل الناخبين السنة الماضية، ولعلها المرة الأولى التي يحصل فيها أن تحتج أحزاب سياسية على توسع دائرة المشاركة الانتخابية!
من الواضح، إذن، أن استمرار الانتقال الديمقراطي، أو توقفه، ما يزال رهانا من رهانات الانتخابات في بلادنا، بعد كل ما وقع سنة 2011، وإن كانت المؤشرات هذه المرة تدل على صعوبة التراجع إلى الوراء، لكنه احتمال قائم بالتأكيد، بدليل التحذيرات التي يعبر عنها رئيس الحكومة نفسه. سيتخذ المعارضون للمشاركة في هذا المسار الانتقالي، الذي استأنف سنة 2011 بعدما توقف منذ 2002، كلام رئيس الحكومة حجة عليه، ليؤكدوا أن موقفهم هو الأسلم. لكن هذا الاعتراض غير ذي مصداقية، إذ لم يحقق المقاطعون شيئا من الأهداف التي كانوا يعلنونها في 2011 وقبلها… ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن. هكذا سيجد الناخبون أنفسهم، مرة أخرى، مدعوين للاختيار بين من يعلن الدفاع عن سيادة “الإرادة الشعبية“، ومن يتهم بالسعي للالتفاف عليها، تماما كما حصل سنة 2011.
ماذا عن التناقضات الأخرى التي تخترق المجتمع؟ التناقض بين الأصولية والعلمانية، بين الرأسمالية المتطرفة والديمقراطية الاجتماعية، بين سبل خلق الثروة وإمكانيات توزيعها بالعدل… من المؤسف أن هذه الرهانات الجوهرية للانتخابات، ولأي صراع سياسي عصري، ستكون خارج السياق.
إسماعيل بلاوعلي