ينبغي أن ننظر إلى المشاكل الكبرى التي تترصدنا، وتتجاوزنا لأنها تتأثر بما يجري في العالم، نظرة غير التي دأبنا عليها،تتسم بالجرأة والجِدّة. هناك مشاكلنا الداخلية الكبرى، التي هي بمعزل عن التحولات العالمية والتغييرات الدولية، كالتعليم والتوزيع العادل للثروات وتدبير الماء، وهناك مشاكل كبرى، التي وإن تتجاوزنا، يمكن الحد من أثرها، من خلال تصورات بديلة، أو الانخراط في طرحها وإيجاد السبل للتصدي لها على مستوى المنتظم الدولي.
لا يمكن أن نتعامل مع الطاقة كما دأبنا أن نفعل. ولا جدال أن التفكير مبكرا في الطاقات المتجددة تفكير صائب، لكن هذا التفكير، والإنجازات التي أجريت أو ستجرى لا ينعكس اليوم على الفاتورة التي يؤديها المواطن في محطات البنزين، وما يترتب عن ذلك من ارتفاع أسعار النقل، والبضائع والخدمات، وتقلص الطاقة الشرائية. هل يمكن حقا، أن نتوفر على حظيرة سيارات كالتي نتوفر عليها مع ما يترتب عن ذلك من استعمال مُغالي للمحروقات والتلوث ومشاكل الركن، والازدحام وحوادث السير؟ ألم يأن الأوان أن نُطوّر نقلنا العمومي؟ أو أن نثابر في تطويره وفق إيقاع جديد، كما مع “الترام“ والسكك الحديدية.
أما عن الأمن الغذائي فهل يكفي أن نفكر في القوالب التي دأبنا عليها، وانتهت بالمخطط الأخضر؟ وهو على وجاهة بعض من مخرجاته، يرتبط بعاملين لا نتحكم فيهما، التساقطات المطرية والطلب الدولي. أفلا نجعل من البحر مصدر غذائنا، عوض أن نقصره على رخص للصيد لدول أجنبية ابتغاء العملة الصعبة. ألا يتعين أن نغير عوائدنا الغذائية؟ لا يمكن أن نغيرها أمام الأسعار الخيالية للأسماك .ألا ينبغي أن نطور صهاريج تربية الأسماك؟
وأما الهجرة، فبعد الأحداث المأساوية التي عرفها المَعبر الحدودي قرب الناظور، فينغي أن نعي ما ردد الكثيرون أننا أمام معطي بنيوي. لا يمكن للمغرب أن يكون دركي أوربا، أو صاحب العمل الدنيء، الذي يتعرض من ثمة، بطريقة جزافية، إلى مآخذ ودروس ومساءلة وتشفي.
لا يمكن للهجرة أن تصرف عن الأسباب المؤدية لها، ولا يمكن الوقوف عند الأعراض، دون الأسباب. ميثاق مراكش الذي عرض للهجرة، على وجاهة تشخيصه أصبح متجاوزا، وينبغي وضع المنظم الدولي أمام مسؤولياته. لا يمكن الحديث عن الهجرة بمقتضى الحصص، والمقاربة الأمنية، وبعض “التدريحات” الإنسانية .الهجرة مشكل متعدد الأبعاد، يستوجب تدخل المنتظم الدولي، من أجل تفكير جدي وجديد، لأن الهجرة إلى الآن تدخل ضمن اللامفكر فيه، حسب خبير دولي. من جهتنا، لا يفيد إلقاء اللائمة على الغير، والاقتصار على القول بأن ما حدث في المعبر قرب الناضور عمل مدبر …يمكن لهذا العمل سواء أكان مدبرا أو عفويا، أن يتكرر.
عاب علال الفاسي في النقد الذاتي ضعفنا في استباق الأمور، أو الإقبال عليها حينما تطرح بتحفز ثم بعجلة، ثم ما يلبث الحماس أن يفتر بعدها ..والنتيجة أننا لا نذهب بالأمور حتى أقصى مداها، ونكون في دائرة جعجعة ولا طِحْن.
الإدارة تدبر وتشتغل على المدى القصير، ومراكز البحث والجامعة هي التي تستشرف المستقبل، ومسؤوليتها ليس أن تكون صدى للإدارة، بل أن تشتغل فيما لا تستطيعه الأولى. لدينا مراكز بحثية، ولا يُدرى أهي أدوات لاستشراف المستقبل أم هي للزينة وتنظيم تظاهرات للتسويق والرضى عن النفس. العالم سيضحى أكثر تعقيدا، وسيعرف انكماشا اقتصاديا، وتوترا مجتمعيا، ولا يفيد التراشق الإعلامي، أو الهروب إلى الأمام، أو التنصل من المسؤولية. كلنا مسؤولون، الإدارة طبعا، والأحزاب، والصحافة، والجامعيون… وملفات الطاقة، والأمن الغذائي والهجرة، تدخل ضمن القضايا الكبرى التي تتجاوز التمايزات الحزبية، والاختلافات المذهبية، إن هي وجدت، والمواقع .وكلما بادرنا في طرحها لاستجلاء سبل الحل، كلما خف ثقلها، وكان الرأي العام ظهيرا، عوض أن يصبح متمردا.
غدا يوم آخر.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير