تابعت مؤخرا بعض النقاشات الداخلية التي تعرفها جماعة العدل والإحسان، وهو أمر نادر يقع منذ تأسست الجماعة قبل حوالي أربعين سنة، أن تجد الخلافات بين أعضاء الجماعة طريقها إلى العلن، وأن تتسرب بعض نقاط هذا الخلاف، وأسماء بعض المختلفين، وهو ما لا يمكن تفسيره بأن الأزمة الحالية قد تكون مختلفة عما سبقها، وأن آثارها ونتائجها قد تكون مؤثرة على واقع الجماعة ومستقبلها، وعلى موقعها في الخارطة السياسية والمجتمعية.
فبعد فترة الانتعاش، التي عاشتها الجماعة خلال التسعينات من القرن الماضي، عانت صعوبات في استقطاب المزيد من الأفراد، والتوسع داخل المجتمع، كما أن علاقتها بحلفائها وأصدقائها عرفت نوعا من البرود والجمود. طبعا كل هذا يعود لأسباب مختلفة، من أهمها فضيحة نبوءة ،2006 وعدم وقوع شيء مما تنبأت به الجماعة، فضلا عن ارتباك الموقف بخصوص مسيرات عشرين فبراير، حيث كانت الحركة المحرك الأساسي للحراك، من حيث تواجد أعضائها بأغلب التنسيقيات، ومن حيث نسبتهم وعددهم ضمن المتواجدين بالشارع، ومن حيث حجم التحريض على المشاركة و جهود التعبئة .لكن قرار الانسحاب المفاجئ، وعدم تقديم أي مبررات منطقية لذلك، زعزع كثيرا من الثقة بالجماعة، سواء من حلفائها اليساريين، أو حتى من أعضائها الذين كانوا يرون في ما يقع من أحداث توصيفا لنظرية “القومة” التي تتبناها الجماعة.
من المؤكد أيضا أن موت عبد السلام ياسين، وعجز الجماعة عن إيجاد زعامة بديلة كان له أثر في هذا الضعف، فالجماعة التي لا زالت تتغذى على كتابات رجل واحد، وليس لها أي كتابات أخرى، ولا زعامات جديدة لها من الكاريزما ويمكن الالتفاف حولها، لا يمكنها إلا الموت. فهل يعقل أن تكون مرجعية الجماعة كتابات ألفت في سياقات مختلفة، وتعالج قضايا غير قضايا اليوم؟
كما أن الجماعة ليس لديها اليوم ما يمكن الاعتماد عليه لتأسيس خطاب المظلومية، ولم تعد قضية فلسطين تسعفها لاستعراض العضلات خلال الوقفات الداعمة للشعب الفلسطيني، مع تغير الوضع وضعف التفاعل مع هذه القضايا، وانكشاف كثير من خيوط المتاجرة بالقضية، والأعداد القليلة جدا التي لا زال لديها الحماس لمثل هذه التظاهرات، وتأييد الأغلبية لمسارات التطبيع بين المغرب وإسرائيل.
عوامل أخرى مساهمة في هذا الضعف، تشترك فيها الجماعة مع كل حركات الإسلام السياسي، فالمد الديني بالعموم يعرف تراجعا واضحا، خصوصا بعد ما سمي بـ“الربيع العربي“، ووصول كثير من حركات الإسلام السياسي للحكم، وفشلها في التدبير، وخيبة أمل الشعوب بها بعد طول انتظار، وهو ما انعكس على نظرة الشعوب لكل هذه الحركات، حتى ولو لم تشارك في الحكم أو كانت مؤيدة للمسارات السياسية في أوطانها. الأجيال الصاعدة اليوم تتجه نحو فكر أكثر عقلانية، فمع الثورة التي عرفها العالم على صعيد المعلومة، وارتفاع نسبة الوعي بسبب ما تلعبه وسائل التواصل الحديثة من تقريب المعلومة وتبسيطها، كل ذلك يجعل الانخراط في حركة سياسية بنفس صوفي أقرب منه إلى الخرافة، أمرا صعبا، وليس فيه أي جاذبية لهذه الأجيال.
ثم هل يتصور أن أجيال اليوم بكل ما تعيشه من حرية، وانفتاح على المعلومة، واحتكاك بالآخر، قد يغريها الانضمام لجماعة تشكو من غياب تام للديمقراطية، وعدم إجراء أي مراجعات أو نقد ذاتي صادق، مع الانتصار لنموذج دولة دينية متشددة، مرجعيتها نظام الخلافة التقليدي المكرس لكل صور الاستبداد، من شباب اليوم قد يتأثر بمثل هذه الرؤى والتوجهات، لذلك لا غرابة أن تعيش الجماعة برأيي أسوأ أيامها، ولا غرابة أن تخرج هذه الخلافات إلى العلن، ولا ندري ما قد يقع في المستقبل القريب.
كنت أتمنى أن تفرز خلافات الجماعة اليوم خطا تصحيحيا يقطع مع أخطاء الماضي، ويعيد ترتيب الأولويات والتصورات، لكن حسب ما يصل من أخبار غير مبشرة، فلا يعدو الأمر أن يكون بين صف حالي بطيء الخطى نحو الإصلاح، ومستبد برأيه وتوجهه، في مقابل صف محافظ قديم يتهم القيادة الحالية بالخروج عن مبادئ الجماعة، والتنكر لما أسس له شيخها، وهو ما يفقدنا أي أمل في إصلاح قريب، أو تحولات جذرية في الجماعة، تجعلها في موقف الفاعل والمؤثر، بدل ما تمارسه اليوم من فرجة وانتظارية.
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي