كنت قد قلت في زاوية سابقة، (زمان عدد، مايو ،(2023 إن الصين أصبحت على حدودنا، وكنت أعني بحدودنا حدود إفريقيا الشرقية. جاءت المقالة بعد عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بوساطة صينية. ولم يكن الوسيط الصيني إلا عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وبجانبه رئيس مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية لبكين. للتدقيق فقط، فإن الراعي الحقيقي لم يكن الدولة الصينية، وإنما الحزب الشيوعي الصيني. وكنت قبلها قد تساءلت في زاويتي بالفرنسية، (عدد 143 أكتوبر (2022 هل سينخرط المغرب في المشروع الصيني؟ وكنت أعني به العهد الصيني على اعتبار أن عهد النهضة الأوروبية، التي امتدت لقرون واكتملت في الولايات المتحدة الأمريكية، يشارف على الانتهاء .وختمت تساؤلاتي بالجملة الآتية: «أين المغرب من كل هذا؟ خصوصاً أن صحافة ما بدأت تشير إليه بالبنان، وتشي بأنه انخرط في مربع أمريكا».
لكن البعض نسي التاريخ القريب، القريب جداً، وخصوصاً خطاب الملك محمد السادس الذي ألقاه في افتتاح أشغال قمة مجلس التعاون الخليجي يوم الأربعاء 20 أبريل 2016 بالرياض. خلال هذا الخطاب، الذي أدهش الجميع بحدته غير المعهودة وبصرامته وعباراته القاسية، شدد الملك محمد السادس على استقلال قرار المغرب قائلاً: «المغرب حر في قراراته واختياراته، وليس محمية تابعة لأي بلد». ولم يكن أحد ينتظر هذا النهج الدبلوماسي للمملكة المغربية. أكيد أن زيارة بان كي مون لمخيمات تندوف آنذاك وتصريحاته الداعمة لأطروحة الجزائر، والتي نقلتها بعض وسائل الإعلام، قد تكون شكلت جزءاً من التكيف الجزئي لموقف المغرب، لكن نبرة الخطاب وقوته والقرارات المتخذة خلاله تتجاوز النرفزة الدبلوماسية إلى شيء آخر. «إن الوضع خطير»، يقول الملك، «خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولة الطعن من الخلف. فماذا يريدون منا؟». لم ينتظر الجواب: إذ زاد قائلا: «ومن جهته، فالمغرب، رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الإستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي. وفي هذا الإطار، تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال الشهر الماضي، والتي تميزت بالارتقاء بعلاقاتنا إلى شراكة استراتيجية معمقة، والتوقيع على اتفاقيات مهيكلة في العديد من المجالات الحيوية، كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، التي سنقوم قريباً، إن شاءا لله، بزيارات رسمية إليها».
وفعلاً، كان الملك محمد السادس قد قام بزيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية ابتداء من اليوم الأحد 13 مارس 2016، وعند إلقائه الخطاب الشهير كان يتهيأ للقيام بزيارة إلى الصين الشعبية التي زارها بالفعل ابتداء من يوم عاشر مايو من السنة نفسها بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ. وقامت الزيارة آنذاك على أساس أنها مناسبة لإطلاق شراكة استراتيجية بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية وفق بلاغ للقصور الملكية.
كان المغرب سباقاً إذن إلى الانتباه إلى أن مستقبل الإنسانية ينتقل شيئاً فشيئاً نحو شرق الدنيا، وأن الحلفاء التقليديين لا يأتمنون على مستقبل البلاد، وأنه من الخطأ وضع البيض في سلة واحدة، كما يقول المثل. مرت سنوات والتعاون المغربي الصيني يشتغل في صمت مع إشارة واضحة، ولكنها قوية، تلك التي تم بموجبها تزويد المغرب بلقاح كورونا، والإشارة التي أرسلها الملك المغربي لحقنه باللقاح الصيني أمام عدسات الكاميرا. لكن الحرب الروسية الأوكرانية فجرت الوضع بقوة، وأظهرت طبيعة التوافقات والتحالفات الدولية. وكان من نتائجها أن سارعت دول الخليج إلى نهج طريق المغرب، أي الاتجاه إلى روسيا والصين، وهو ما نتج عنه الاتفاق السعودي الإيراني الذي أدى إلى دخول المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية إلى نادي بريكس (BRICS) الذي يحاول الحد من هيمنة الدولار.
لكن الزيارة الخاصة التي قام بها الرئيس الصيني للمغرب في العشرين من شهر نونبر حركت أموراً كثيرة، ويبدو أنها تنبئ بتحول جيو استراتيجي مهم في شمال غرب إفريقيا .فالرئيس الصيني الذي استقبله ولي عهد المملكة المغربية، أكد حسب ما نقلت الصحافة المغربية، على استعداد الصين لمواصلة العمل مع المغرب لدعم بعضهما البعض بقوة في القضايا المتعلقة بقضاياهما الأساسية، والدفع نحو تنمية أكبر للشراكة الإستراتيجية بين الصين والمغرب. لكن يجب أن نُذَكِّرَ أن الرئيس الصيني، الذي توقف بالمغرب عائداً من ليما بعد مشاركته في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، كان قد توقف خلال الذهاب بجزر الكناري .وخلال التوقف هذا، وحسب وسائل إعلام إسبانية، أَسَرَّ للمسؤولين الإسبان نيته في الاعتراف بمغربية الصحراء، وبناء جسر بين الجزر والصحراء المغربية. وترك الباب مفتوحاً لفهم طبيعة هذا الجسر.
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير