حتى أكثر المتفائلين من خصوم حزب العدالة والتنمية، وأكثر المتشائمين من أنصاره ومحبيه، لم يكن يتوقع هذه الهزيمة الساحقة والمذلة للحزب. توقع الكثيرون وكنت واحدا منهم، أن يتراجع الحزب عن مرتبته الأولى، وأن يحتل صفا ثانيا أو ثالثا على الأكثر، لكن لا أحد توقع كل هذا الانكسار، وأن يحصل صاحب 125 مقعدا في الانتخابات الماضية، على ثلاثة عشر مقعدا فقط، تسعة منها باللائحة الجهوية للنساء. حصيلة جد هزيلة، لن تسمح للحزب حتى بتشكيل فريق نيابي صغير داخل البرلمان، يمكنهم من خلاله الاحتجاج على عدم توقيف الجلسة لأداء الصلاة، أو على وجود صحفية تلبس سروال “جينز“ لاصقا لا يراعي حرمة البرلمان، واستعادة ذكريات نهاية التسعينات يوم كان الحزب يبحث عن الشرعية، وعدد نوابه يماثل تقريبا ما حصل عليه اليوم.
بعيدا عن حالة التشفي والفرح بهزيمة الإسلاميين، وإن كنت أتفهم من يفعل ذلك بعد عشر سنوات من تقديم الفرصة والانتظار، من المهم جدا الوقوف عند الأسباب التي أدت لهذا السقوط الكبير، سواء منها ما كان داخليا متعلقا بالحزب نفسه وكيفية تدبيره للصراعات والخلافات، أو ما كان مرتبطا بالناخب ورغبته في معاقبة الحزب وإزاحته من الحكم، دون إغفال السياق الإقليمي والدولي ودوره في هذه الهزيمة، فكلها برأيي عوامل اجتمعت لتكون النتيجة ما رأيناه من مفاجأة مدوية.
صحيح أن الخلافات الداخلية والانقسامات لعبت دورا فيما وقع يوم 8 شتنبر، وأن الحزب فقد خزانه الكبير من أبناء حركة التوحيد والإصلاح التي تخلت عن أدوارها المعتادة في الحشد والتعبئة، بسبب عجزها عن تبرير مواقف الحزب، وهي التي تعتمد في الاستقطاب على الشعارات الإيديولوجية، ودغدغة المشاعر الدينية والوطنية، وتوظيف ما يسمونه بـ“الجروح“ كفلسطين وغيرها، لتحقيق مزيد من التوسع والانتشار، كما أن كثيرا من الحالمين بـ“الخلافة الإسلامية“ و“تطبيق الشريعة الإسلامية“ تخلوا عن الحزب بسبب مواقفه من فرنسة التعليم والتطبيع والكيف، لكن أهم سبب برأيي فيما حصل، هو خيبة أمل المواطن من سياسات الحزب واختياراته اللاشعبية، هو عجز الحزب عن تنفيذ كل وعوده الانتخابية، عن مكافحة الفساد والاستبداد، عن تخفيض معدلات البطالة، عن تمويل القطاعات الاجتماعية، عن إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، عن تحقيق ما وعد به من تنمية وحرية وعدالة. لا شيء من ذلك تحقق .ما رأينا إلا قرارات استهدفت المواطن وقدرته الشرائية، وتراجعا في المستوى الاقتصادي، ودخول كثير من تلك الوعود لقاعة الانتظار.
كان هذا السقوط متوقعا وطبيعيا، وإن لم يكن توقعه بهذا الحجم والكارثية، وكان حريا بقادة الحزب، بدل محاولة الالتفاف وتقديم تبريرات غير منطقية، الاعتراف بعقاب الشعب، وأنهم جنوا جزاء ما قدموا، بدل محاولة تحوير النقاش، وصرف النظر عن الهزيمة نحو اصطناع معارك إيديولوجية جديدة، لتحريك العواطف ودغدغة المشاعر، كعادة حركات الإسلام السياسي عند كل عجز أو هزيمة.
يظهر ذلك في محاولة الركوب على تصريح رئيس حزب صغير مضمونه أن المغرب سينتقل من دولة إسلامية إلى دولة ليبرالية. ومع عدم اتفاقي على هذا المذكور، إلا أنه لم يكن ليستدعي كل هذا الاهتمام، تدبيج كل تلك الردود، بل التوهيم بأن انهزام العدالة والتنمية يمثل خطرا على الإسلام، وكأن الحزب هو من يحمي إسلامية الدولة، ويقيها شر ما سماه الريسوني باللادينية الفرانكفونية، علما أن الإسلام استقر بالمغرب قبل ثلاثة عشر قرنا، وليس مع تأسيس “الجماعة الإسلامية“ أو حتى “الشبيبة الإسلامية“.
أعتقد أن اللحظة بالنسبة لحزب الإسلاميين بالمغرب، هي لحظة المراجعة، والتواضع والاعتراف، ونقد الذات وإعادة النظر، وإسقاط كثير من الأوهام والاعتقادات الزائفة، لإخراج الحزب من حالة الإنعاش، فمهما اختلفنا مع هذا الحزب، سياسيا وإيديولوجيا، فعودته قويا مكسب للوطن جميعا، وإن كنت أرى أن ذلك يحتاج لشيء من الوقت، وكثير من الشجاعة.
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي