كان الزومبي المغاربة يحتفظون برسالة قديمة ورثوها عن أجدادهم الأوائل، وكانوا يخبئونها في قبر مهمل بمقبرة “الشهداء“، وتقول كلماتها إنه وبمجرد رحيل آخر الكبار في البلد، سوف يعم الخبل والحمق، وسيكون بإمكانهم حينها الخروج إلى العلن، والسيطرة على البلاد واصطياد مواطنيها. ولذلك، وكلما كانت تغادر الحياة شخصية مغربية مهمة تحظى بالاحترام، كانوا يظنون أن ساعة ظهورهم قد حانت، فيفركون أيديهم من شدة الفرح، ويسيل لعاب من بين أنيابهم، ويتلمظون.
وبعد رحيل امحمد بوستة، اعتقدوا أنه الأخير، فاجتمع قادة الزومبي قادمين من كل مقابر المملكة، وحددوا موعدا في الرباط، وأخرجوا تلك الرسالة، ونفضوا عنها التراب، ثم دققوا في حروفها المكتوبة بأحمر قان، لكنهم توصلوا إلى أنه ورغم مكانته، فإنه ليس الرجل الذي ذكره أجدادهم، وأن شخصا آخر يقدره المغاربة مازال على قيد الحياة، مقتنعين بأن موعد الهجوم لم يحن بعد.
وأثناء مشاوراتهم صعد شيخ من شيوخهم فوق شاهدة قبر، مخاطبا جماهير الزومبي، ومبشرا إياهم بأن اللحظة التي انتظروها طويلا قريبة جدا، وأن ما يحدث اليوم في المغرب يؤكد أنه لم يبق إلا قلة من الكبار، وأن ساعة رحيلهم قد أوشكت، ولن يخلفهم بعدها أحد، وما على الزومبي إلا أن يستعدوا، ويتزينوا، ويشحذوا أسنانهم.
كما بشرهم أن الانهيار المغربي وشيك، وفي كل المجالات، والقادم أسوأ، مذكرا بالوجوه والأسماء التي صارت تحتل صدارة المشهد، وكيف أصبح المغاربة يطبعون معها، ويبدو لهم وجودها عاديا.
وبعد أن نزل الشيخ من على شاهدة القبر، صفق له الزومبي، لتعطى الكلمة لزومبية كبيرة، تتقلد مسؤولية رئاسة قطاعهم النسائي، فتعالت هتافاتهم، وكشرت شبيبتهم المتحمسة عن أنيابها، وزغردت بنات الزومبي، إلا أنها نصحتهم بالصبر وعدم التسرع، مشيرة إلى علامات كثيرة تدل على أن موعد الخروج الكبير اقترب، أهمها تصرفات حميد شباط المثيرة، وحكاية وادي الشراط، ومقالة إلياس العماري الغامضة، وتشبث إدريس لشكر بالدخول عنوة إلى الحكومة، وانقلاب سيارة أمن أمام محطة القطار، وظهور تمساح في نهر أبي رقراق…
وقبل أن تنهي تدخلها، نبهت السيدة زومبي الحاضرين إلى الساعات القليلة التي تفصلهم عن الفجر، ودعتهم إلى الحذر والعودة بسرعة إلى مقابرهم، وإلى أن يناموا نومة الهناء ويهيلوا عليهم التراب، قبل أن تشرق الشمس، محذرة من أي تهور، ومن أي احتفال سابق لأوانه، ومن أي تسلل إلى ملاهي الرباط وعلبه الليلية، ومن أي هجوم على أي شخص، مبشرة إياهم في الآن نفسه بأن المستقبل القريب سيكون وليمة دائمة، ومشروبات حمراء متنوعة، ولعق أبدي باللسان، وأن اللحظة التي انتظروها هي الآن على مرمى حجر، ليرقصوا ويسهروا كما يحلو لهم، أما في الوقت الحالي، فأهم شيء هو أن يناموا جيدا، ويحافظوا على صحتهم، كي يكونوا على أهبة الاستعداد ساعة الحسم، حين يغادر الحياة آخر رجل يجمع المغاربة على احترامهم له. وما كان يسعد الزومبي، ويجعلهم متفائلين، ومؤمنين بقضيتهم، أن هذا النوع من الشخصيات صار نادرا، ولا يصدق الناس أنه مازال موجودا بينهم، إلا بعد سماعهم لخبر وفاته، فيشيعونه إلى مثواه الأخير، ويمشون بمختلف أطيافهم خلف جنازته، متظاهرين بالأسف وبالحزن، ليعودوا إلى جنونهم المعهود .وما كان ينتظره الزومبي على أحر من الجمر، ويستعدون له، وقع بالفعل، ولم يتأخر كثيرا، حين توفي زعيم سياسي كبير كان يحظى باحترام الجميع، يمينا ويسارا ودولة، ثم رحل بعده مثقف معروف من جيل الاستقلال، كأن الزومبي كانوا يخجلون من الخروج والإعلان عن أنفسهم في ظل تواجده، ومباشرة بعد ذلك تناقلت المواقع الإلكترونية أخبارا عن جرائم غريبة، وعن تعرض مواطنين مسالمين إلى سعار، يجعلهم يعضون كل من يقترب منهم، ولو كان قريبا لهم، وفي كل يوم كان يتكاثر الزومبي، ويزحفون، وينتشرون في المقاهي، والمستشفيات، وينتظمون جماعات وعصابات في الشوارع، ويغزون الأسواق، ويقتحمون المدارس.
وكم من أسرة تحول معيلها إلى زومبي، وكم من أخ حاول أن ينال من أخته، وكم من فتاة جميلة عضت حبيبها وأصابته في مقتل، حتى أصبح الشعب المغربي تقريبا كله من الزومبي، وكانت الدولة تحاول جاهدة أن تتدخل لتنقذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يصيبها الداء، وكان حميد شباط يحاول أن يعتذر ويضحي بنفسه، ويقترح الذهاب للتفاوض معهم، وكان إلياس العماري يحاول عبثا أن يعود إلى رفاقه القاعديين، وإدريس لشكر إلى القوات الشعبية، وبنكيران كان مستعدا إلى تغليب المصلحة الوطنية، بينما كان الزومبي يتقدمون، ويتكاثرون، إلى أن فات الأوان، وانتشرت العدوى، ولم يعد بإمكان أحد أن يتدخل، وأصبح الناس في “المستقبل القريب“ يختبئون في النهار، ويخرجون ليلا، وكان المغاربة جميعا يعضون أصابعهم من شدة الندم، ويعضون بعضهم البعض، ولا نخبة تنيرهم، ولا عاقل ينهرهم، ولا مدارس إلا مدارس الزومبي للبنين والبنات، ولا إعلام، إلا إعلام الزومبي وصحافييهم التابعين لهم، ولا حياة إلا حياة الزومبي.
حميد زيد