يموج العالم بتغيرات جوهرية ينعتها البعض بالاهتزاز الكبير، بالنظر إلى تغيير الفاعليين الدوليين، وبزوغ قضايا مستجدة، وأخطار مُحدقة، وينعته آخرون باللعبة الطويلة في إشارة إلى التنافس بين الولايات المتحدة والصين. لم يستو العالم بعدُ، رغم الاهتزازات الكبرى، والتحولات العظمى التي ظهرت مع الأزمة العالمية لسنة ،2009 وتسارعت وتكثفت مع أزمة كورونا، على مرجعية، إذ يسير العالم بغير أنموذج سياسي أو اقتصادي وحتى اجتماعي .يتفق الجميع على مثالب المنظومة القديمة، ولكنهم لا يلتقون في علاج..
في غمرة هذه الأزمة الوجودية التي يجتازها العالم، هناك من يُلوّح بنُذر المواجهة، ومخاطر الحرب، ويتوقعون مواجهة ما بين إسرائيل وإيران عبر هجومها على حزب الله، واجتياح روسيا لأوكرانيا، وشن الصين الحرب على تايوان.
لكن الحرب ليس حلا، وتفاقم من الأزمة أكثر من أن تحلها .والطريف في الحروب الحديثة، أن المنتصر لا ينتصر، ويُمنى بخيبة أكبر من خيبة المنهزم .ولعل مغامرة الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق خير دليل على ما يمكن أن نعتبره توازن العبث. عبثية الحرب، كما كان توازن الرعب، إبان الحرب الباردة، يحد من ركوبها.
يعسر على الأطراف التي تتأثر بالمنظومة العالمية أكثر من أن تؤثر فيها، أن تقدم بديلا أو مقترحا، إلا أنه يتوجب عليها أن تقرأ الخارطة الدولية، والمتغيرات العالمية، كمن يرصد اتجاه الرياح على شراع ليحسن توجيه القارب. وهذا الذي يتحتم علينا أن نفعله في سياق غير مستقر ومتحول.
أقدم المغرب على خيارات استراتيجية يتعين عليه تقويتها، سواء من خلال انفتاحه على إفريقيا، أو من خلال تنويع شركائه الاقتصاديين، أو حتى من خلال قراءة جديدة لقضايا الشرق الأوسط، وما أكثرها، والتي لا تختزل فيما كان يعرف بالصراع العربي–الإسرائيلي. يمر العالم العربي بمنعطف غير مسبوق، إذ تتعرض عناصره إلى الاهتزاز، وتنذر بمخاطر ثقب أسود، وتقاطب من بين قوى إقليمية تتوزعه، وأخرى محلية تمزقه، وينبغي التعامل مع العالم العربي على ضوء المستجدات والتحديات والإكراهات. وما كان يسمى بالاتحاد المغربي مات من غير مراسم دفن. وليهنأ لمن يريدون أن يبعثوا العظام وهي رميم، الحلم أو ..السراب، إلى أن يلين لماضغه الحجر، كما يقول المثل الذي يحب السيد منصف المرزوقي أن يستشهد به. وهل يقوم المغرب الكبير من غير المغرب وهو مستودع عبقريته؟
فتح المغرب ورشا لم يعد له الحق في دورة استدراكية، وهو ورش التعليم .والذي يراد من التعليم، في بلادنا، أن يكون رافعة، وليس عبئا ماليا، أو متنفسا اجتماعيا، وأن يسهم في تكوين مواطنين يتمتعون بمواصفات عالمية، فلا يمكن أن نُكوّن طبيبا، أو بنكيا، أو مهندسا بمواصفات محلية، ولذلك ينبغي أن ننآى عن خطابات الهوية، التي ضررها أكبر من نفعها، ونتعامل مع اللغات من منطق نفعي برغماتي، وليس إيديولوجي، أو هلامي..
وللمغرب رصيد فيما يمكن أن نسميه القوة الناعمة، بثقافته، وأصالته، ومؤهلاته السياحية وتراكم إنجازاته الثقافية، وينبغي تحويل ذلك إلى نوع من “صناعة ثقافية ثقيلة“ بما فيها النشر، باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية، بالنسبة للدول الإفريقية. هذا فضلا عن الإعلام، كذرع من أذرع القوة الناعمة، يعانق الخيارات الاستراتيجية الجديدة.
وللمغرب أداة من قطاع خاص، ومنظومة بنكية فاعلة، مدعوة أكثر من أي وقت مضى، أن تعانق الخيارات الاستراتيجية الجديدة، والتحولات الكبرى، وتدعم الخيارات العامة. ليس العيب تغيير النظر والتوجه، حين يبدو أن التوجه أخفق أو أنفق، و العيب كل العيب هو التمادي فيما ظهر عيبه جليا. ولا بأس أن نعيد النظر في كثير مما كان يعتبرا حلا، خاصة وأن العالم لا يني يتغير. ونحتاج في هذه التحولات الجوهرية، التي لا ننازع في حسن قراءتها، والالتئام معها، إلى شيء لا غنى عنه، وهو الجدية. لا يمكن أن نقوم بالشيء ونقيضه، أو ننقض عند الغد ما غزلناه أمس، أو نترضى هذا وذاك، أو نصدر بالهوى وما تهوى الأنفس. فالخيارات الاستراتيجية ليست سوانح تُنتهز فقط، ولكن قيما كذلك.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير
ملخص أكاديمي قيم يبسط خريطة الجغرافيا و خارطة الطريق الذي يجب أن يسلكه المغرب خصوصا و أنه أمام رمية غير قابلة للاعادة و في ملعب يتوسطه الثقب الاسود الجارف كلما تساقطت دول عربية ، حتى يصيب عليه أن يتجنب العيب و أوله اعادة الثقة و بناء الاوراش الاصلاحية الحقيقية و سيربح أكثر مما يعتقده خسرانا و في الحقيقة أمامه عشرية للعمل الجاد قد تنتهي بالخلاص أو الدخول في دوامة نفاذ مخزون صناديق التعاقد فيربط عنقه في يد اصحاب الاستخلاص.