فاجعة الأستاذة هاجر التي أرداها طالب بشاقور، بمؤسسة تعليمية بأرفود، ليست فاجعة لأسرتها الصغيرة فقط، ولا لأسرتها الكبيرة، أسرة التعليم، فحسب، بل لنا جميعا كمغاربة. تُعد حادثة هاجر أبشع حادثة عنف في مؤسساتنا التربوية، وتُعرّي واقعا لم يعد ممكنا التستر عنه. ماتت هاجر، ولن تعود، وليس يفيد كثيرا أن نقف هل تم العزاء فيها، أم لا، من قِبل المسؤولين. لأن المسألة تتجاوز واجب عزاء، إلى ضرورة الوقوف على منظومتنا التربوية. لئن أكببنا عليها، بحزم وعزم، فستكون روح هاجر فداء لها، أما إن طوينا الأمر، مع بعض البلاغات، والتوصيات، فسنكون كمن قتلها مرتين، تُقتل روحها بعد أن قُتل جسدها. لا ينبغي أن ننسى. لا بد للضحية أن تسكن مخيال الأسرة التربوية، ولا بد أن تنتظم لقاءات تحمل صورتها واسمها، وتقوم وقفات في المؤسسات التربوية، من مختلف الهيئات، من مدرسين، ومن تلاميذ وطلبة، ونقابات، وفعاليات المجتمع المدني، كي لا يتكرر ما وقع.
العنف هو مؤشر على انتفاء التمدن، واستشراء التوحش .مسيرة الإنسان هو في حسن تصريف العنف الكامن فيه، بأدوات متمدنة، من خلال الحوار، وقبول الآخر، والنسبية، والاحترام، ومن أدوات الأنسنة المدرسة التي تغرس في النشء التمدن والحوار، وتقبُّل الآخر والمجادلة بالتي هي أحسن. فكيف أن تصبح المدرسة مرتعا للعنف، وفي أبشع الصور؟
هناك خلل ما، ويعود الخلل إلى تعثر التنشئة منذ المراحل الأولى للتعليم، مما أفضى إلى ابتذال العنف، واللجوء إليه في مؤسسة تعليمية، واستسهال إدخال أداة قاتلة في باحة المؤسسة واستعمالها… كيف وقع كل ذلك، من دون أن يثير انتباه أحد؟ اضطراب نفسي للطالب؟ كيف لم يتم رصد ذلك قبل أن يقع المحظور؟
الموضوع ليس الثأر من الجاني، أو التطبيق الصارم للقانون بشأن جريمة، فقط، أو جبر خاطر أسرة الضحية، أو حتى الأسرة التربوية، وإنما التفكير في منظومتنا التربوية. فالعنف لم يندلع من عدم، فهو تعبير عن خلل ما، في مؤسساتنا التربوية، وهو صورة كذلك للعنف المستشري في المجتمع، وهو موضوع آخر. ينبغي أن نعيد النظر في صحيفتنا، كما يقال، وأن نُذكّر ببعض المسلمات، ذلك أن التربية أبعد مدى من التعليم، وأن أي منظومة تربوية تزجي مدارك، وتُقدم معارف، ولكن في إطار مرجعية أخلاقية وقيمية وثقافية. كل تربية هي تحول، ولا يتم التحول إلا بمنظومة قيمية، وأخلاقية وثقافية. وإلا فلمَ الاصطفاف قبل دخول القسم، وترديد النشيد الوطني، ورسم خريطة البلد، وحفظ محفوظات؟
التهيؤ للشغل في أي منظومة تربوية أمر مشروع، ولكن المنظومة التربوية هي مرجعية أخلاقية بأساس… وفي جميع الأساس، أيا كانت أهداف المنظومة التربوية، من تنشئة، وتهيؤ لسوق الشغل، فلا يمكن أن تقفز على الأخلاق.
لعلنا نحتاج، بعد الذي حدث، لمناظرة للتعليم، لا تقوم بديلا لعمل المجلس الأعلى للتعليم، ولا لعمل وزارة التربية، وتكون محدودة الزمن، لتقييم أدوات الإصلاح، والوقوف على العناصر الناظمة للتربية، والتفكير في الهندسة التربوية في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي. وأي ضرر أن تحمل المناظرة اسم الضحية، فذلك خير إثابة لذكراها، كي تقترن بالإصلاح، حتى تكون مؤسساتنا براء من العنف، في كل أشكاله، ومظاهر الانحلال الخلقي، بكافة أنواعه، وتكون مؤسساتنا التربوية عناصر داعمة للأخلاق، تُحصن المعلم، ولا تفتئت على المتعلم، وتشيع الاحترام المتبادل بين كافة عناصر المنظومة التربوية بين المعلم والمتعلم، وبين المتعلمين أنفسهم، وفي علاقة المتعلمين وأوليائهم مع الإدارة. تقف المناظرة على واقع الحال، والتحديات الجديدة القائمة.
ونحتاج من وزير التربية الوطنية أن يُمهر رسالة عن المعلم، أسوة برسالة جيل فيري الشهيرة، يُذكّر بمسؤولية المعلم، وبواجباته، وكذا بواجبات المتعلم، وألا تكون الرسالة، مجرد طقس بروتوكولي، وأن يتدارسها التلاميذ مع أساتذتهم في مستهل الموسم الدراسي… أساس التربية هي علاقة احترام بين المعلم والمتعلم، وتكامل ما بينهما والإدارة، والذي حدث يفيد نقيض ذلك تماما.
وفاة هاجر جراء ضربة من طالب، انزلاق خطير في المؤسسات التربوية، تُبين عن أن العنف بلغ مستوى مقلقا، لا ينبغي أن ندرجها في خانة الأمور العامة، أو المختلفة. لا بد من شيء يعيد هيبة المعلم، ويعيد الثقة في المؤسسة التربوية.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير