في 16 دجنبر الماضي عاد محمد الوحداني إلى الزنزانة مواجها محاكمة جديدة بعد اعتقاله على خلفية احتجاجات اجتماعية شارك فيها في مدينة سيدي إيفني. لا يعني هذا الاسم شيئا بالنسبة للكثيرين من متابعي الحياة السياسية ببلادنا، لكنه يمكن أن يعتبر، إلى جانب عدد من أصدقائه، رمزا لحقيقة الأزمة السياسية في المغرب. أزمة المشاركة. منذ أبريل 2005 شارك الوحداني رفقة العديد من شباب سيدي إيفني في تأسيس «السكرتارية المحلية لسيدي إيفني آيت باعمران»، التي رفعت مطالب اقتصادية واجتماعية، استطاعت تعبئة الشارع لأجلها، فلم تفتأ ساكنة المدينة تخرج ملبية للمسيرات التي كانت تدعو لها هذه التنسيقية. اختارت الدولة مواجهة، هذه الطريقة في التعبير عن المواطنة، بالعنف. فانفجرت المواجهة في أحداث «السبت الأسود» سنة 2008، وتحولت المدينة الهادئة إلى ساحة حرب حقيقية على مدى أسابيع، واعتقل أغلب مؤسسي السكرتارية، والعديد من المحتجين.
بوصولهم إلى السجن بلغ زعماء هذه الحركة الحد الأقصى للمنهجية التي اختاروها للمشاركة السياسية، أي ممارسة المواطنة بالاحتجاج في الشارع. من تلك المدينة البعيدة عن المركز قدم بعض هؤلاء الزعماء درسا بليغا لكل المقتنعين أن لا سبيل للتغيير غير الاحتجاج المباشر. غداة مغادرتهم السجن، ترشح رفاق الوحداني للانتخابات الجماعية سنة 2009 وفازوا بـ20 مقعدا من أصل 25، ضمنها رئاسة البلدية. تماما كما فعل رفيقهم محمد عصام، الذي قضى سنة ونصف سجنا، ليغادرها مباشرة نحو قبة البرلمان حيث انتخب نائبا عن المدينة باسم حزب العدالة والتنمية في 2011. في ظرف وجيز تمكنت نخبة سيدي إيفني من الانتقال نحو النموذج العصري للدفاع، السلمي، عن المصلحة العامة، محققة بهدوء ثورتها نحو الحداثة. لكن القضاء كان له رأي مختلف، حين أسقط عن الوحداني وثلاثة مستشارين في المجلس البلدي الأهلية القانونية للاستمرار في تمثيل الساكنة، كما أسقط عن محمد عصام أهلية تمثيلها في مجلس النواب، بصدور الأحكام، الاستئنافية ثم النهائية، التي تدين لمشاركتهم في احتجاجات 2008. وها هو الوحداني يعود للسجن مجددا كما ذكر أعلاه.
في السياق المغربي، حيث يعاني القضاء عجزا في الاستقلالية عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية، لا يمكن أن يفهم ما وقع سوى أنه نتيجة إرادة لإجهاض الانتقال المرجو نحو الحداثة، التي تستوعب فيها مؤسسات الدولة المنتخبة نخبة الجمهور، حتى يكون الصراع السياسي سلميا. ردة مؤسفة.
إسماعيل بلاوعلي