يتابع شباب منتمون لحزب العدالة والتنمية، منذ بضعة أيام، على خلفية “الإشادة بالإرهاب”، ارتباطا بتعليقات بثت على الأنترنت حول اغتيال السفير الروسي في تركيا. للمسألة بعد سياسي مؤكد، إذ يحتج الإسلاميون على استهداف شبيبتهم، بالذات، وعدم تناسب الجرم المفترض مع العقوبات التي ينص عليها قانون الإرهاب، داعين إلى تطبيق قانون الصحافة والنشر في هذه الحالة، ما دام الأمر لا يتعدى مستوى التعبير عن “رأي”، وأن الحزب الذي ينتمي إليه هؤلاء الشباب أبعد ما يكون عن الإرهاب. خلف هذا البعد السياسي للحادث ثمة بعد ذهني، إن جاز القول، لعله الأولى بالنقاش. عندما يشيد مواطنون مغاربة باغتيال السفير الروسي في تركيا، بل ويفرح آخرون لتحطم الطائرة الروسية التي ضاع معها تراث موسيقي إنساني، فإنهم يعبرون بذلك عن موقف سياسي إزاء “عدو” معين. ثمة من يتوجه مباشرة إلى ساحة المعركة لقتال هذا العدو، وثمة من يكتفي بقتاله باللسان. تدور المعركة في ساحة بعيدة عن التراب الوطني ولا تهدد المغرب مباشرة، فضلا عن كون فرقائها كثرا، وتغطيها حجب كثيفة من التضليل والدعاية والدعاية المضادة… فكيف يختار العدو من بين أؤلئك الفرقاء؟ ولماذا يقال هذا هو الإرهابي وليس ذاك؟
تتعدد المعايير بتعدد الخلفيات. قلة قليلة ترى أن المعتدي هو ببساطة ذاك الذي يقتل المدنيين، فالمثال الإنساني المنشود يجعل هذا منكرا في حد ذاته، وخارجا على الشرعية والقوانين الإنسانية، وتلك الأعراف التي تجعل الحروب “نظيفة”. لعل مأساة الحرب السورية أن المعتدين فيها على المدنيين العزل، صاروا من كل جانب. ما أكثر المسلحين الذين يقتلون المدنيين، في حرب عالمية طاحنة تدور رحاها في الساحة السورية. لذلك قيل، الحل سياسي. أي أن تنقل الدول التي تتحارب في سوريا معركتها من الميادين إلى قاعات المفاوضات، وتبحث عن الحلول الوسطى، والحدود الدنيا، أي ما يحفظ المصلحة المادية المحض لهذه الدولة وتلك، ففي النهاية تناقض هذه المصالح هو الذي أذكى الحرب، وإن لم يكن سبب اندلاعها المباشر. هكذا ينتهي مثل هذا النوع من الحروب إذ لا يتصور عاقل أن يستمر القتال حتى إبادة الشعب السوري الواقع بين إرهاب وآخر.
ثمة معيار آخر مختلف تماما، يعجزه القبول بهذا الواقع، ليس لأن القيم الإنسانية التي اندلعت تحت شعارها الحرب، سوف تضيع إذا استمر النظام السوري، وإنما لكونه نظاما ينتمي لـ”طائفة” معينة، لـ”مذهب” ديني يعتبر منكرا عند أهل السنة والجماعة، كما يسمون أنفسهم، والأنكى أنه مدعوم من أؤلئك الروس، “أعداء الدين” الذين قاتلوا المسلمين بالأمس القريب في أفغانستان والشيشان. العالم مقسم، وفق هذا المنطق العابر للأوطان، على أساس الانتماءات الدينية، والطائفية والمذهبية. ليس هذا النمط في التفكير حكرا على المسلمين وحدهم. قبل بضع سنوات دعا جورج بوش للحرب على العراق بداع أنها حرب “صليبية!”، ومنذ عقود يدعو قادة الحرب في إسرائيل للعدوان على جيرانهم بدعوى أنها “حرب مقدسة”… ليس هناك أسهل من استدعاء الدين لإقناع الناس بجدوى أن يموتوا في سبيل منافع لا ينالهم منها نصيب.
إسماعيل بلاوعلي