عزيزتي السنة الماضية.
الآن، وبعد أن غادرت، ولفظت أيامك ودقائقك وثوانيك الأخيرة، ولم تعودي موجودة بيننا، فمن حقي أن أعاتبك. لم أكن أرغب في إحراجك وأنت حية، وبسبب كونك كبيسة، كنت أتطير منك، ودائما أتجنب مصارحتك، وأتحاشاك، وأنتظر ذهابك بفارغ الصبر. كنت أقول مع نفسي إنها سنة وستمضي، كما مضت سنوات من قبلها، لكن من حقي اليوم أن ألومك، وأشتمك، وأصفي معك حساباتي. لن أتحدث عما فعلته أحداثك في العالم، فللعالم رب يحميه، بل عما فعلته في أنا، ثم في بلدي المغرب. ولا إنجاز واحد، ولا ميدالية، ولا فرح، ولا مال حصلت عليه. وكم من شهر قضيناه ونحن لا نتوفر حتى على حكومة.
أنا صراحة حانق عليك يا سنة 2016. ولن أقول لك وداعا، ولن أشكرك، ولن أذكرك بخير، وصراحة، فذهابك غير مأسوف عليه.
و سعيد لأني تخلصت منك، وبعد أن حان أجلك، فبإمكاني الآن أن أتحدث عنك كما أشاء، وبحرية، بينما أنت لا تسمعينني، وليس بمقدورك الدفاع عن نفسك، أو الرد على اتهاماتي. وأتمنى ألا تتدخل سنة 2017، وألا تدافع عن شقيقتها الكبرى، وألا تجد لك الأعذار، على أمل أن نطوي الصفحة ونفتح أخرى جديدة. صدقيني يا 2016، لقد قلبت وبحثت في أيامك وشهورك، وغرضي العثور على قصة مفرحة، أو خبر جميل يشفع لك، لكني لم أجد شيئا يذكر.
وماذا كنت ستخسرين يا 2016، لو منحتنا مفاجأة سارة، إنجازا نباهي به الأمم، فوزا ولو في رياضة القنص، وحتى في ما يخص مطرك، فقد كنت شحيحة، وعانينا من جفافك، وهل كانت أيامك ستنقص لو كانت سماؤك هطلت علينا. لم تتركي لنا صراحة ما نتذكرك به يا سنة مشؤومة، ويا عقيمة، ويا بخيلة، ويا سنة فضائح وإخفاقات وأزمات سياسية. ولا أريد أن أظلمك، لكنها الحقيقة. وها أنا أسأل شقيقتك، التي ولدت للتو، لتكذبني إن كنت متحاملا عليك، وهي الآن تسمعني، وتقرأ ما كتبت إليك. فيك انقلبت الدنيا عاليها على سافلها، وصعد دونالد ترامب، وما لم يكن متوقعا حدوثه أبدا صار مقبولا ويحدث، ورغم أني لست مسؤولا عن مصير العالم، إلا أن الشيء بالشيء يذكر، وأنا أيضا موجود في هذه الكرة الأرضية، وقد عانيت منك، ومن فوضاك، ولم أستفد منك، بل العكس هو الذي حصل، حين فقدت عاما آخر من عمري بلا فائدة تذكر، وأحملك كامل المسؤولية في ذلك. ولو كان ممكنا رفع دعوى ضدك لرفعتها، فقد زاد عمري وكبرت دون أن أستفيد منك، ودون أن أجني من ورائك أي أرباح، بل تقدمت في السن، وخطوت خطوة أخرى نحو مصيري المحتوم، بينما أنت لا مبالية، وكأن الأمر لا يعنيك. اسمحي لي يا سنة 2016 إن تجرأت عليك وقللت من شأنك، فقد كنت سنة جوفاء وفارغة من الداخل، لا روح فيك ولا أحداث ذات قيمة، ولن تذكرك السنوات ولا التاريخ، كما لو أنك لم تكوني، ولن يحكي عنك أحد. لست وحدي، بل أظن أن الجميع كان يستعجل ذهابك، ويخشى أن يحدث له سوء لو تماديت أكثر. والذين احتفلوا، ورقصوا، وشربوا، وتبادلوا الهدايا، فلأنهم تخلصوا منك، وبمجرد أن حل منتصف الليل، تنفسوا الصعداء. عزيزتي 2016، لا رغبة لي في تقليب المواجع أكثر، وكل ما أرجوه هو ألا تصيبي بعدواك خلفك سنة 2017، فمنذ أن أطلت علينا، وهي باردة، وبلا روح. ويظهر أنها تنوي شرا هي الأخرى، وترغب في أن تؤذينا، وأجهل ما تخبئه لنا خلف أيامها المقبلة، كأنكما متفقتان، وكأن لا شيء تغير، وكأنكما وجهان لعملة واحدة.
من طبعي أني متفائل، ورغم أن عمري يتبدد يا عزيزتي، وأشيخ كلما ألغى عام سابقه، فإني أحاول جاهدا أن أرى الجوانب الإيجابية فيك يا سنة غريبة الأطوار، وأن أركز على نصف الكأس المملوء. ولن أنكر أننا اكتشفنا في أشهرك الأخيرة فنانا مهما هو عثمان ملين، خفف عنا قليلا رتابة أيامك، ثم اكتشفنا قلما متميزا وكاتبا عميقا اسمه إلياس العمري، وسيذكر التاريخ أنه في أيامك صار المغاربة يعصرون الرمان، ويبيعونه في الشارع في عربات، ويقبل عليه العشاق، ويشترونه لحبيباتهم، عوض البرتقال. وهذا كله ليس هينا، ويحسب لصالحك. أما ما ألومك وأعاتبك عليك، فهو النحس الذي تحملينه معك كلما اقتربت نهايتك، وفي الوقت الذي كنت تستعدين فيه للرحيل، قبض الخصوم على سعد المجرد، ولفقوا له تلك التهمة، رغم أنه بريء. وإن سامحتك أنا يا سنة كبيسة، فلن تسامحك بنات المغرب، ولن يغفرن لك أبدا، وهن على حق في ذلك، يا مشؤومة، يا من في أيامك سجن أوسم الرجال وأشهرهم، بينما أنت وكأنك لست من هذا العالم.
حميد زيد