ما معنى أن يكون المرء عالم دين اليوم؟ لربما من النادر أن يطرح السؤال بهذه الصيغة، إذ الغالب أن ينصب النقاش حول رأي هذا العالم أو ذاك في هذه القضية أو تلك، على أساس أن هذا الرأي فوق النقاش لمجرد أن صاحبه مطلع على علم من العلوم الدينية. هذا بالضبط ما كتبه الداعية أحمد الريسوني تعليقا على النداء الصادر أخيرا بشأن إلغاء التعصيب في الإرث. فدون حاجة للخوض في الموضوع، يرفض الريسوني هذا المطلب من الأصل كونه غير صادر عن أشخاص مطلعين على علم المواريث، فـ”الفرائض لا تلغى بالعرائض”، على حد تعبيره.
ولما أثير النقاش قبل ذلك ببضعة أشهر حول كتاب “صحيح البخاري، نهاية أسطورة”، استند دعاة منعه على مبررات من بينها أن صاحب الكتاب، رشيد أيلال، غير متخصص في علم الحديث. أما عندما تجرأت أسماء المرابط، وهي العالمة المطلعة على علم المواريث، على الإدلاء برأي مخالف لإجماع العلماء حول موضوع المساواة الإرث فقد دعيت للاستقالة من رابطة العلماء. كما لم يكن ممكنا اتخاذ قرار السماح للنساء بممارسة مهنة العدول دون موافقة المطلعين على العلوم الدينية التي تختص بهذا الميدان. في كل هذه الأحداث وغيرها، ينتصب سد مانع أمام أي نقاش خارج المعروف أو المتوافق عليه لدى من يسمون أنفسهم بعلماء الدين، فحصل تطابق غير منطقي بين الدين والعلوم الدينية، وبات آراء علماء الدين مقدسة كأنها الدين نفسه. أصبحوا يمثلون عمليا ما يوازي دور “الإيكليروس” في السياق المسيحي لأوربا الغربية. ومن المفارقات الغريبة أن الحجة الأولى التي يستعملها رافضو العلمنة في السياق الإسلامي هي تحديدا أن لا كنسية في الإسلام، دون أن ينتبهوا إلى أنهم يضعون علماء الدين في مقام الرهبان والقساوسة إذ يرهنون أي تشريع بما يراه هؤلاء العلماء -دون غيرهم- صوابا وما يظنونه خطأ.
الواقع أن كل تلك العلوم وقواعدها ومشكلاتها ونتائجها… إنما وضعها بشر لا فضل لهم على من خلفهم من علماء وضعوا أو اختصوا بعلوم جديدة لم يكن للسلف أن يتخيلوها. إذا كان التجدد والتجاوز يصدقان على كل العلوم الإنسانية والطبيعية، فلم لا ينسحبان على العلوم الدينية؟ ما المانع من تجاوز ما تجاوزه الواقع؟ إلا إذا رفع علماء الدين، الغارقون في علوم وضعت قبل قرون خلت، إلى مرتبة القداسة، وهو ما لا يطيقه الدين أساسا.
إسماعيل بلاوعلي