استغرب بعض المعلقين غياب اسم عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة السابق، عن لائحة المغضوب عليهم بسبب التحقيقات في تعثر مشاريع “منارة المتوسط”. منطقيا، لا يعقل أن يحاسب مرؤوسون دون رئيسهم. لكن الخصوصية المغربية لا تكف عن تحدي المنطق. الواقع إن عبد الإله بنكيران، ومما يحسب له من جهر بالقول، لم يفته التذكير أول الأمر أنه لم يعلم أساسا بالمشاريع المعنية بالمحاسبة. ثمة إذن “منطق” آخر يجعل رئيس الحكومة معفيا من أية مساءلة، إذ لم يكن له دخل في ما تقرر حتى يكون له نصيب من المسؤولية عما لم ينجز!
سكت ملخص التقرير الذي عممه المجلس الأعلى للحسابات عن هذا الاختلال في المنطق، مفضلا البحث عن الأسباب التقنية لتعثر تنفيذ مشاريع لا يعرف أحد كيف ظهرت فجأة في جدول أعمال الحكومة. لو استقام المنطق لعرضت هذه المشاريع على المجالس الحكومية في إطار ميزانية الدولة لتلك السنة… لتظهر جدواها وعيوبها وإمكانيات تنفيذها، ولكفى لله المؤمنين شر “الزلازل”. ليس في الأمر أي سر، فالدستور يمنح رئيس الحكومة سلطة شبه مطلقة على الجهاز التنفيذي، حكومة وإدارة، ولا يعقل أن تمر مشاريع بهذا الحجم دون علمه. لكن النص شيء والواقع شيء آخر. بينما كان الرهان يقع على “تأويل” الدستور تأويلا ديمقراطيا، أصبحت المراهنة على مجرد تطبيقه كما هو. الواضح أن السياق الذي ظهرت فيه مشاريع المنارة المتوسطية لم يكن ليسمح بذلك. ثم زاد الأمر سوء بسبب ما سمي “بلوكاج” في تشكيل الحكومة إثر الانتخابات، فكانت أزمة الحسيمة نتيجة مباشرة لهذه التعثرات.
إذا كان الإصلاح غاية المساءلة فالأولى أن تعالج الأسباب السياسية لاختلال منهجية اتخاذ القرار. لعل هذه الأزمة أبلغ دليل على نجاعة المنهجية الديمقراطية. غالبا ما يتم التبشير بهذه المنهجية على أساس حمولتها الأخلاقية، في حين أن قيمتها الأسمى تتمثل في ضمان شروط الفعالية والنجاعة في الإنجاز. حين يولد مشروع تنموي ولادة طبيعية، في نطاق النقاش السياسي الحر بين ممثلي المجتمع المنتخبين، فالمؤكد أن شروط نجاحه ستكون أكبر. لأنه سيكون أقرب للتعبير عن مصالح المواطنين المعنيين به، ولأن التصرف في الأموال المخصصة له سيكون خاضعا للرقابة في مستويات متعددة، أهمها الرقابة البرلمانية، حتى إذا طرأ طارئ يؤزم الأوضاع تنحصر الأزمة في المؤسسات التمثيلية، كما يمكن أن يقع في أي نظام برلماني، إذ الجميع معرض للزلازل السياسية ما دامت السياسة مجرد طريقة لتنظيم الصراع الطبيعي للمصالح المتضاربة في كل المجتمعات. يكمن الفرق فقط بين الأنظمة القائمة على بنيان مؤسساتي مقاوم للزلازل وتلك التي بنيانها هش. المصلحة بديهية، إذ لا أحد يفضل تعريض نفسه لمخاطر مفاجئة، بطبيعة الزلازل! أساس هذا البنيان موجود في الدستور، وليس مطلوبا أكثر من تطبيقه.
إسماعيل بلاوعلي