فرض تصور معين للإصلاح نفسه منذ تعيين الحكومة الحالية واستقرار الأوضاع بعد أحداث 2011. وفقا لهذا التصور يتمحور «الإصلاح» حول تقليص عجز الميزانية العامة للدولة، على أساس أن «الأزمة» ليست سوى أزمة المالية العمومية. في هذا السياق بوشر «إصلاح» نظام المقاصة، واستأنف النقاش حول «إصلاح» نظام التقاعد في الوظيفة العمومية، وجرى تجميد استثمارات عمومية، وتراجع التوظيف العمومي… إنه منظور قصير الأمد للأزمة، يقترح «إصلاحا» محافظا، غايته إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
من المهم، طبعا، أن ينجح هذا الإصلاح، لكن الأهم أن تدفع مختلف فئات الأمة ثمن الأزمة بالعدل. يستلزم هذا الشرط إعادة تشخيص الأزمة ذاتها، تشخيصها من منظور المدى الطويل. فهي ليست كما تقدمها السلطات، مجرد عجز في الميزانية موروث عن النفقات المفاجئة لمواكبة طوارئ 2011، بل أزمة عجز مستمر للاقتصاد المغربي عن خلق الثروة، يستتبعه عجز أفدح عن التوزيع العادل للقليل المتوفر من تلك الثروة. يقابله تعميم غير عادل للضريبة والأعباء الناشئة عن التقشف في الانفاق على بناء المدارس والمستشفيات والطرق…
ليس سرا أن فئة قليلة من المحظوظين تنعم بثمار الرأسمالية والريع المغربيين، بينما يقبع ملايين المغاربة أسرى الفقر والهشاشة. من المثير للانتباه أن يصدر تشخيص مطابق، تقريبا، لـ»الأزمة» في أمدها الطويل، عن الفاعل الأساسي في تحديد السياسات الحكومية. ففي خطاب العرش الأخير، يتساءل الملك «باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟ الجواب على هذه الأسئلة لا يتطلب تحليلا عميقا: إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة».
يقترح الخطاب الملكي دراسة شاملة لأوضاع البلاد تركز على الرأسمال «غير المادي». هل يكون التركيز على الرأسمال المادي مدخلا لحل الأزمة كما استفحلت على المدى الطويل، فتطرح إشكالية العدالة الاجتماعية وليس فقط إشكالية خلق الثروة؟ من نافل القول أن الجواب يحدده الصراع السياسي بين الفئات ذات المصالح المتناقضة. بيد أن حطام المنظمات المدافعة عن مصالح الفئات المتضررة، يعزز حظوظ التعبير العفوي، غير المنظم، عن مشاعر السخط ومطالب الإنصاف. فيتكرر اللجوء للترقيع والقمع، ويستمر اللاستقرار.
إسماعيل بلاوعلي