لم يكن لرئيس الدبلوماسية المغربية، ناصر بوريطة، ليُلقي القول على عواهنه أمام لجنة الشؤون الخارجية بالدفع بأن الجزائر تريد التصعيد، وتسعى للمواجهة مع المغرب. ليس للمرء أن يكون في أسرار الآلهة، ليعلم الوضعَ المتوتر على الحدود الشرقية للمغرب، والحشد العسكري في المنطقة الغربية للجزائر، والمناورات العسكرية، والتحركات الميدانية والخطب التحريضية ضد ما يُعتبر مؤامرة، وهلم جرا…
ينبغي طبعا، في هذا السياق المشحون، الإصغاء إلى الحروب الخطابية، والتجييش الكلامي، والذي يراد منها التضليل والتعمية عن الحقيقة، والدفع بالمظلومية ضد “جار السوء“، وجار السوء ليس إلا المغرب، ليس في مقال صدر في جريدة ما، ولكن في تصريح من لدن الشخص رقم ثلاثة في الجزائر، رئيس المجلس الشعبي، عبد القادر أكوجيل..
كان الردَّ على ما أدلى به السيد بوريطة، مقالٌ للسيد عبد العزيز رحابي، الذي سبق أن شغل منصب ناطق باسم الحكومة الجزائرية لفترة، وشغل عدة مناصر دبلوماسية، صدر في جريدة “الخبر“ الجزائرية، يتهم المغرب بالسعي للمواجهة، ويعمل للتدليل بأن دفاع الجزائر عن “الشعب الصحراوي“ مبدئي، وذلك أن الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديكول سبق وأن عرض الصحراء التي كانت تُعرف حينها بـ“الصحراء الإسبانية“، لأنها كانت تحت الإدارة الاسبانية، على الجزائر، ورفضت الجزائر. سيكون فتحا مبينا في تاريخ الأرشيف، وفي الدبلوماسية، والتاريخ عموما، أن يكون الجنرال ديكول، اقترح على المسؤولين الجزائريين، “تسليمهم“ الصحراء التي كانت تحت الإدارة الإسبانية، وهل كان ذلك بعلم الإسبان أم لا…؟ ومتى؟، وهل كان ديكول على علم بالأمر نفسه؟ وأخشى أن أقول هل يعلم السيد رحابي، الذي سبق أن التقيت به، وخلّف لدي انطباعا جيدا، حقا ما يقوله. وإذا انهارت هذه المسلمة، فكل البناء الذي بناه سِّي رحابي، مِن سعي المغرب إلى الحرب يهوى بالتبعية.
والذي يريد المواجهة هو الجزائر، باعتراف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار له مع أسبوعية “لوبوان“، في ماي ،2022 إذ قال بأن خيار الحرب كان قائما، واستعيض عنه بقطع العلاقات الدبلوماسية .المغرب لا يريد الحرب، لا جُبنا، ولكن مسؤولية، لأنه يُقدّر تداعيات الحرب، ولا يريد مثلما صرح المرحوم الحسن الثاني غير ما مرة، وكذلك ما ورد عن المرحوم هواري بومدين، أن يلعنا المستقبل .ولكن من واجب المغرب، وواجب من يتقلدون المسؤولية، أن يحموا البلد، ويسعوا في حمايته بكل الوسائل المتاحة، عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا، وعبر القوة الناعمة، حتى إذا اقتضى الأمر التحالف مع الشيطان.
الشر لن يأتي من الجزائر، قال مسؤول حكومي جزائري لمسؤول مغربي، حينما حل ليستضيف العاهل المغربي لحضور القمة العربية التي انعقدت في الجزائر في مارس .2022 لكن ما الذي يعنيه بالشر، لأن ليس للكلمات في علاقاتنا مع الجار الشرقي، نفس المدلول، كما في اللغة الأورويلية (من جورج أورويل) تفيد الكلمة مدلولها ونقيضها، حسب السياق والمزاج. هل من “الخير“، (لأن الخير نقيض الشر وفق كل عقل سليم)، أن تَدفع الجزائر بـ“الجمهورية الريفية“، وتعقد المؤتمرات لشرذمة، وتفتح لها باب التمثيل (المسرحي) .لعبة مثل هذه هي من قبيل “بحال اللي يدق وتد على سلهامو“، كما يقول المثل المغربي، أو من يطلق النار على قدمه، من شأنها أن ترتدَّ على الجزائر نفسها.
من واجبنا كمغاربة، من أي المشارب السياسية والمواقع التي نوجد بها، الدفاع عن بلدنا، والالتحام لصد كل من يريد به سوءا .والصحراء مسألة وجودية، والمساس بها مساس بالمغرب، ككل. وبنفس الحزم الذي نبديه وينبغي أن نبديه من أجل الدفاع عن بلدنا، نُذكّر من أن شؤون الجزائر تهم الجزائر والجزائريين، من تموين، وحرية تعبير، وحقوق الإنسان، ومنطقة القبائل، وحرائق غاباتها، وكل ما يقع بها، وما لا يقع بها، وما قد يقع بها.
والذي نرى، ويرى كل مسؤول، وكل عاقل في المغرب، وما هو في الأعراف الدبلوماسية المغربية، الالتزام بكل ما تعهد به من مواثيق. اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، بعد أن صادق عليها المرحوم الحسن الثاني في خطاب العرش في مارس 1992، ملزمة، وهي كل لا يتجزأ. وبعد، مَن انتهك المعاهدة، بالإقدام على استغلال حديد غارات الجبيلات، ومقتضيات معاهدة 1972 واضحة؟ ليس الهجوم دوما أحسن وسيلة للدفاع. يظل التمسك بالمبادئ أوثق سبل الحماية، وضمان المصداقية.
ولا يمكن لمن يعبث بمصداقيته، إلا أن يُشكّل خطرا على نفسه
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير