بعد أكثر من خمسة قرون على سقوط الأندلس، ما يزال قصر الحمراء في غرناطة شامخا .كان هذا القصر ذات يوم مركز دولة بني الأحمر، آخر إمارة إسلامية في الأندلس، كما كان قلعة لدسائس الحكم ومؤامرات لا تنقطع. ستة من السلاطين لقوا حتفهم قتلا داخل أسوراه.
قصر الحمراء أهم معالم إسبانيا الأثرية، دون منازع، وآية من فن العمارة. يستقبل سنويا أكثر من 3 ملايين زائر، متربعا على عرش أكثر المعالم زيارة في إسبانيا، بما في ذلك متحف الملكة صوفيا ومتحف البرادو العالمي في مدريد، وكاتدرائية ساغرادا فاميليا الشهيرة في برشلونة. خلد ذكره الأدباء والشعراء، بدءا من ابن الجياب وابن الخطيب وابن زمرك، وما تزال أشعارهم المنقوشة على جدران الحمراء شاهدة عليهم، مرورا بأعلام الرومانسيين، شاتوبريان وهوغو وغوتيي، وصولا إلى شعراء العصر الحديث مع أحمد شوقي أو نزار قباني في رائعته «غرناطة». أخذ القصر بعظمته قلوب الإسبان، فعز عليهم أن يجعلوه أثرا بعد عين، رغم التعصب الشديد الذي اتسمت به حروب الاسترداد. وسكنه أعظم ملوكهم، شارل الخامس، مضيفا إلى مجموعة القصور الموجودة في الحمراء، قصرا جديدا شيده وفق طراز النهضة الأوربية. مع ذلك، يتوارى وراء الصورة المشرقة لقصر الحمراء وجه مخيف مليء بالدسائس والمؤامرات والاغتيالات. ستة من سلاطين بني الأحمر، على الأقل، قضوا بين جنبات الحمراء اغتيالا، ومن لم يدركه الموت في قاعة أو بهو أو بركة داخل القصر، أدركه خارجه بفعل مؤامرة حيكت داخل أسوار الحمراء. مؤامرات ودسائس كانت في الواقع عنوانا عن واقع غرناطة المرير يومها. يكفي أن أكثر من ثلثي ملوك بني الأحمر لم يستطيعوا أن يكملوا بشكل طبيعي ولايتهم، فتنازلوا عن العرش، قتلا أو خلعا. تعايش وجها الحمراء المضيء والمخيف معا، أيام كان القصر عامرا بأصحابه. ومع سقوط الأندلس، حفظ الناس للحمراء صورته المشرقة بقاعاتها الفسيحة وزخارفها المنمقة وحدائقها الجميلة، ونسوا وجهه الآخر المظلم. وحدها كتب التاريخ احتفظت به.
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 22-23 من مجلتكم «زمان»