تعرضت بلادنا لأكبر كارثة طبيعية تعرفها في العصر الحديث، وهي زلزال الحوز وغرب الأطلس الكبير (مما يعرف بدرْن) في 8 سبتمبر المنصرم. عرفت بلادنا قبلها زلزالين مدمرين، زلزال أگاديرلسنة 1960 الذي محا تقريبا المدينة، إذ أتى على 15.000 من الضحايا لمدينة لا تربو حينها عن 20.000 نسمة، ثم عرفت بلادنا زلزال الحسيمة وأرجائِها في فبراير من سنة ،2004 وخلّف خسائرَ في الأرواح تربو على الست مائة شخصا، فضلا عن انهيار بنايات وتصدعها .نعم يقل زلزال الحوز والأطلس الكبير الغربي، من حيث عدد ضحايا زلزال أگادير، ولكنه الأكبر من حيث المساحة، في تضاريس جبلية وعرة، والأقوى من حيث مقياس درجات الزلازل 7 درجات. ولعل أن نضيف أنه الزلزال الذي ضرب المنطقة التي رأت نشأة الموحدين، ومن مادتها تشكلت دولتهم، وفي منارتها تينمل، التي شاءت الأقدار أن تُزلزل وتنهدم جزئيا، التأم شملهم وعم الآفاق. مس الزلزال رمزا أثيرا لدى المغاربة، هو تراث إنساني. هو قائم مادام يسكن وجداننا.
كان المغرب في زلزال أگادير حديثَ الاستقلال، ويَعدم الوسائل. ولكن تجند الشعب المغربي، بقيادة المغفور له محمد الخامس، والتدبير الفعلي لولي العهد مولاي الحسن، قائد القوات المسلحة الملكية، وتضحيات عناصرها، استطاع أن يتغلب على المحنة، ويبعث المدينة التي غدت بعدها منارة سياحية، وقطبا اقتصاديا، مصداقا لمقولة المرحوم محمد الخامس: «لئن قضت الأقدار بخراب أگادير، فإن بعثها موكول لأبنائها». في زلزال الحسيمة انبرى المغرب بمكوناته كلها وجهاته أجمعها، في عملية تضامن منقطع النظير. كانت الحسيمة في ،2004 كما طرفاية سنة 1975، نقطة تجمع، كما المسيرة الخضراء قبل انطلاقها. كان الحماس يُنيب عن الاحتراف، وما فتئت الإدارة أن اكتسبت تجربة في تدبير الكوارث الطبيعية، بما فيها الزلازل.
لا يسعنا إلا أن نُثني على دور السلطات العمومية، وبخاصة وحدات القوات المسلحة الملكية التي هبّت منذ فجر التاسع من سبتمبر، سويعات معدودة بعد الزلزال، بمعداتها لنفض الركام، وانتشال الضحايا، ومستشفياتها الميدانية، وخيامها لإيواء المنكوبين، وعناصرها الاجتماعية للتخفيف عن المتوترين. وشكل الاجتماعان اللذان ترأسهما العاهل المغربي، الملك محمد السادس، الأول غداة الزلزال، خارطة طريق، في رعاية المنكوبين والتكفل بهم، والثاني في إعادة بناء القرى المنهدمة وإحداث وكالة لهذا الغرض.
لقد كان انخراط فعاليات من المجتمع المغربي، وجهاته، ووحدات اقتصادية كانت في الميدان (المكتب الشريف للفوسفاط)، ومغاربة الخارج، في التضامن مع إخوتهم في الحوز والأطلس الكبير، في كل ربوعه، من أمزميز وإيجوكاك وتالات ن يعقوب، وشيشاوة وتاردونات، وأزيلال، وورزازات، مثاليا، مثلما كان انخراط وحداته الاقتصادية والمالية في صندوق التضامن مدعاة للاعتزاز. وليس ذلك بغريب عن المغاربة ، لأنه تعبير عن الوطنية، ومعيار الوطنية هو التضامن، أو الالتحام في السراء والضراء. الكوارث الطبيعة امتحان مُريع، وهي معيار قياس سلامة أمة. ولقد أبانت الكارثة بل الفاجعة عن سلامة معدن المغاربة. ننحني إجلالا لروح الضحايا، وتقديرا لأسر المكلومين، وعرفانا للسلطات العمومية.
ونريد من هذه التجربة الأليمة، أن نأمل في بناء إنسان مغربي جديد. ولدينا كل العناصر لإنجاح هذا الورش، فمادته وهي الإنسان المغربي، سليمة ومعافاة، ولُحْمتُه، أو إسمنته بلغة اليوم، متينة، وهو الشعور بالانتماء. يلزمنا هندسة، وهذه الهندسة تقوم على طموح جماعي، وأدوات تنشئة ومنها المدرسة طبعا، تؤهل للارتقاء الاجتماعي وفق القوالب الكونية، وسردية تاريخية، تُعلم نشأنا تاريخه، موضوعيا وبيداغوجيا، وتبذل له عناصر الانتماء، من لغة عربية طبعا، ولغة أمازيغية كذلك. ألا يشعر المغربي ممن لا يحسن الأمازيغية، في كارثة زلزال الحوز ودرن، أن يفهم عن أخيه المكلوم؟ أيعسر على المغربي أن ينطق أسماء الأماكن كما هي، فيقول تالات أي العين، وليس الثلاثاء، كما تروج بعض عناصر الإعلام، مثلما سبق أن حوّلت إيمزورن إلى أُمِّ زروان… وهلم جرا…
يحز في القلب، في خضم المأساة، من تشفّى، ويوغر الصدر من لا يرعون ذكرى من قضوا بالزعم أن الزلزال عقاب عن المعاصي. ولا رد على هؤلاء إلا بإنشاء مغربي، يؤمن بالعقل، ولا يكفر بالقلب، ويوفق بينهما.
نعم نحن متوترون، ولكننا مفعمون بالأمل، مصداقا لقول أبي تمام:
قد يُنعم لله بالبلوى وإن عظُمت // وقد يبتلي للهُ بعضَ القوم بالنِّعمِ.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير