في الوقت الذي ضجت فيه وسائل التواصل الاجتماعي بالوسوم المطالبة برحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، عرفت مدينتا الحسيمة ومكناس انتخابات تشريعية جزئية، ولم تعرف أي مفاجآت أو تحولات، وبقيت وفية لنتائج اقتراع الثامن من شتنبر، من تصدر الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحكومي، وهزيمة أحزاب المعارضة، خصوصا حزب العدالة والتنمية.
لا أستطيع الجزم إن كانت الحملة المطالبة برأس أخنوش شعبية وعفوية، وليس خلفها سوى الأسعار المرتفعة، والتي لا يمكن لأحد إنكارها، ولا السكوت عنها، خصوصا مع ضعف التواصل الذي تعاني منه الحكومة منذ تسلمها لمقاليد التدبير، لكنني أتوخى الحذر دوما في هذه الحملات الجماعية، ولا أستطيع النظر إليها بعين بريئة، مع أني ضد شخصنة القضايا السياسية، والإشكالات المجتمعية، فرئيس الحكومة لا يمثل نفسه ولا حزبه، وما يعيشه المغرب من أوضاع صعبة تسائل عنه كل الحكومة وليس رأسها فقط، وتوجيه اللوم لشخص واحد كأنه يعفي كل البقية من أي مسؤولية.
وقد رأينا في دول كثيرة كيف أن الناس طالبوا برحيل بعض الرؤوس، لكن رحيلها لم يغير شيئا من وضع البلد، بل زاد الوضع سوءا، لأن البنية الفاسدة لم يتم إصلاحها، ولأن العقول لم يتم تنويرها، فلا زال الناس يؤمنون بأن أصل الفساد واحد كما أن زعيم الإصلاح واحد، وهي نظرة تقليدية لا يمكن الاعتماد عليها زمن المؤسسات التدبير المشترك، حيث المحاسبة يجب أن تكون دستوريا وبالأدوات الديمقراطية المتاحة، وليس بـ“الهاشتاكات“ والحملات الإلكترونية.
من ناحية أخرى، ورغم كل ما قيل عن هذه الانتخابات الجزئية، وأنها لا تمثل المشهد السياسي، وعن نسب المشاركة الضعيفة، وهو أمر طبيعي في مثل هذا النوع من الانتخابات، وعن دور الأعيان في هذه النتائج، إلا أن نجاح الحكومة في هذا الاستحقاق، رغم كل تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية، وموجة الجفاف القاسية التي يعرفها المغرب هذه السنة، والتداعيات الاقتصادية التي خلفتها أزمة كورونا والتي ستمتد دون شك لسنوات، والحملات الموجهة ضد رئيس الحكومة، يعني أن المواطن لا زال يضع آماله في هذا الائتلاف، أو أنه يرى أن سنة واحدة غير كافية للحكم، أو في أقل الأحوال أنه لا زال لم يجد البديل، وهو ما يسائل مرة أخرى هذه الحملات “الفيسبوكية“ و“التويترية“، وإن كانت تمثل نبض الشعب ومطالبه.
ما ينبغي الوقوف عليه أيضا في هذه النتائج، هو مدى صحة ما كان يروج من أن سبب سقوط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة، هو تدبير القيادة السابقة للحزب، وأن سعد الدين العثماني وفريقه يتحملان وزر كل تلك النتائج الكارثية، وأن عبد الإله بنكيران هو المخلص المنتظر للحزب، وها نحن رأينا كيف أن الرجل نزل بكل ثقله لدعم مرشحيه، وحل بنفسه بالحسيمة يخطب ويهاجم ويوجه الرسائل بكل أسلحته وأدواته وشعبويته المعروفة، ومع ذلك لم يتمكن حزب المصباح من حصد ولو مقعد واحد، وهو ما يعني أن الأزمة أكبر من مجرد قيادة، وأن الحزب لا زال يتهاوى ويتفكك داخليا، وأن عودة بنكيران لم تحقق مقصدها، ما لم تكن هناك مراجعات صريحة وواضحة، وربما حتى قيادة جديدة برؤى مغايرة وتصورات مختلفة، بعد أن استنفذت القيادات والزعامات التقليدية كل رصيدها، وأحرقت كل أوراقها.
تعليق الشماعة على تدخل رجال السلطة لم يكن برأيي أيضا موفقا، ولا حرب البيانات مع وزارة الداخلية، ما دام الجميع يعلم أن هذه النتيجة ليست إلا تأكيدا لما سبق، فلا داعي للتوهيم وصرف النظر عن الإشكالات الداخلية بمحاولات التباكي والمعارك الجانبية، وهو ما ليس في مصلحة حزب من المهم للمغاربة جميعا أن يكون حزبا قويا، ومعارضا شرسا، في مشهد سياسي بارد وسط صيف ملتهب.
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي