يستقر الإرهاب المنتسب للإسلام، شيئا فشيئا، في يوميات أوربا الغربية. من فرنسا إلى بلجيكا، وربما ألمانيا ومن يدري متى تتوقف الموجة. كل يوم يخرج مواطن أوربي منتسب للإسلام ليزهق الأرواح ويرعب الأحياء. في أوربا، بالذات، تظهر حقيقة الإرهاب المنتسب للدين، بما هو التناقض الأقصى مع العلمانية.
من نافلن الإرهابي المنتسب للإسلام، إنما يعبر عن طموح مجنون لإخضاع غير المسلمين، بحد السيف، لما يعتقده الحق المطلق، أي الإسلام كما يفهمه ويعيشه، وأنه مطوق بهذا الواجب الديني المقدس. كل ما يأتي بعد ذلك ليس سوى نتيجة منطقية لهذا الأساس الجوهري لأي دعوة إرهابية. لهذا السبب تحديدا، يطلق الإرهابيون وصف ”الجهاد” على ما يقترفونه من جرائم. لذلك، أيضا يسهل تجنيد المرشحين لهذا ”الجهاد”، إذ يكفي أن يقال لهم إن ما هم مقبلون عليه هو الحق…
ليس هذا المنطق حكرا على الإرهابيين المنتسبين للإسلام، فهو الخيط المشترك بين كل أدعياء الحقيقة المطلقة، من جل الأديان والمذاهب والمعتقدات… تاريخ أوربا، نفسها، حافل بالدماء التي سالت لهذا السبب، قبل أن تكتشف البشرية في أوربا الغربية نسبية الحقيقة. أن ما يبدو حقا، اليوم، لن يكون كذلك غدا. إن الجهاد في الإسلام لا يمكن أن يفهم في القرن الواحد والعشرين، كما يفهم في القرن السابع الميلادي. لأن لكل زمن ظروفه، والعاقل هو الذي يفهم النصوص، أية نصوص، في سياقها، وإلا خرج من التاريخ. على هذا الأساس، قام العلم الحديث مترادفا مع قيام الديمقراطية والعلمانية في أوربا الغربية. فالقاسم المشترك بين هذه المجالات التي صنعت الأزمنة الحديثة، هو بروز ثم سيادة فكرة أن الحقيقة نسبية، تظهر اليوم في صورة وتتغير، لتظهر غدا في صورة أخرى. لم يعد بمقدور أحد أن يدعي أن الدين، أي دين، كما يتصوره ويفهمه، هو الحق المطلق، يجب دعوة الآخرين للإيمان به، ولو بالقوة.
بطبيعة الحال، لم يتحقق الوصول إلى هذه النتيجة الفارقة في التاريخ الحديث، بين عشية وضحاها. لكن منطق التاريخ يحتمل اقتصاد الزمن بالاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة قصد اللحاق بركابها، فالتقدم كوني متاح للبشر أجمعين.
من هذا المنظور، يجد الأوربيون المسلمون أنفسهم في وضع صعب، إذ لم يكن الإسلام منتشرا في أوربا حين تحققت العلمنة، ولم يكونوا معنيين بها، ولا يبدو أن غيرهم من المسلمين خارج أوربا يسير نحو هذا الأفق. لكن الأوربي المسلم يملك مع ذلك حظا لا يملكه غيره من المسلمين غير الأوربيين. في أوربا يستطيع المسلم أن يدرك أن لا شيء يحفظ حقه في اعتقاد ما يشاء أكثر من العلمانية نفسها. أن بإمكانه التبشير بدينه، كما يفعل غيره ذلك. أن لا حاجة لفرضه بالقوة، وإلا ماذا سيكون وضعه لو يفرض عليه الآخرون، في أسوأ الاحتمالات، ترك دينه بالقوة!
أمام الأوربيين المسلمين، ربما أكثر من غيرهم من مسلمي المناطق الأخرى، فرصة لمطابقة واقعهم، العلماني هذا، مع وعيهم. إذا كان الواقع، والمصلحة، تقضي وتفرض حفظ الإسلام في نطاق فردي خالص شأنه شأن باقي الأديان الموجودة في أوربا، فلماذا لا يصبح هذا الوضع هو المعيار، الإسلام النموذجي بالنسبة للمسلمين كافة.
قد تكون هذه فرصة لم تتح للإسلام في سياقات أخرى، وقد يحصل الأسوأ فينكفؤ الأوربيون المسلمون على أنفسهم تحت ضغط المتطرفين العنصريين.
إسماعيل بلاوعلي