أعلنت شركة “أوبير” UBER قبل بضعة أيام وقف نشاطها بالمغرب، لأسباب من بينها “غياب الوضوح في التشريعات الحالية”. تقدم هذه الشركة، كما هو معلوم، صيغة عصرية لخدمة سيارات الأجرة، وتنشط في العديد من بلدان العالم. وقد خاضت “أوبر” معارك قانونية وسياسية مع أرباب سيارات الأجرة التقليديين في بلدان عديدة، فكسبت بعضها وخسرت البعض الآخر. لكن تجربتها المغربية تشكل فعلا استثناء، إذ اضطرت لخوض معركة من نوع خاص، واجهت خلالها وضعا غريبا، عبرت عنه بصيغة “غياب الوضوح في التشريعات”.
ذلك أن القانون المغربي يرهن ولوج مهنة سيارة الأجرة بالحصول على ترخيص تقدمه وزارة الداخلية، وليس وزارة التجهيز والنقل، كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن أو المجالس المنتخبة. ترخيص تحول في الواقع إلى امتياز ريعي لا يلقاه إلا أفراد محظوظون… وبما أن القانون لا يفترض احتمال منح رخصة الطاكسي لشركات مغربية، فأحرى أجنبية، وجدت “أوبر” نفسها في وضع ملتبس. فقد سمحت السلطات لمستخدميها بالعمل في مدينة الدار البيضاء لأكثر من سنتين، لكنهم ظلوا خلال هذه المدة معرضين للتوقيف في أية لحظة، والمتابعة بجنحة ممارسة النقل السري! لقد كانوا في وضع سراح مؤقت، مستمر.
لعله النموذج الأكثر تعبيرا عن هذا التعايش المدهش بين التقليد والحداثة في بلادنا. يتصور المنطق التقليدي قوة الدولة في خضوع الناس لها، طوعا أو كرها. هكذا، يجد الفرد نفسه أشبه ما يكون بالمتهم المعرض للمتابعة في أية لحظة، إذ يمارس أفعالا مسموحا بها في الواقع، بينما يجرمها القانون. كم من تاجر أو صاحب مطعم يبيع الخمر لزبناء مغاربة، على طول البلاد وعرضها، بينما يمنع عليه القانون بيعه للمسلمين. وكم من راشد وراشدة يرتبطان رضائيا بعلاقات حميمية، يمكن أن تقودهما للاعتقال في أية لحظة. وكم من سيدة تعبر باب سبتة يوميا من ممتهنات “التهريب المعيشي”، مع أن التسمية وحدها دليل إدانة، كأنما يستثنى نوع من التهريب لكونه “معيشيا”، بينما القانون يجرم التهريب أيا كانت غايته!
في المقابل، يتصور المنطق الحديث علاقة الدولة بالمواطنين من منظور مختلف تماما. القانون يسري على الجميع، وبمجرد أن تتجاوزه ظاهرة حديثة يخضع للتعديل والتطوير، إذ الهدف تحقيق المصلحة العامة، في حدود ما يفرضه توازن القوى بين المصالح المختلفة داخل المجتمع. عندما ظهر تضارب المصالح بين سائقي سيارات الأجرة التقليديين وشركة “أوبر”، في إسبانيا أو فرنسا مثلا، جرى الاحتكام إلى قانون المنافسة الذي يجب أن يخضع له الجميع، فدافع كل طرف عن مصلحته من وجهة نظر نفعية، تتمحور حول ضمان فرص العمل والربح بأقل كلفة، في نطاق المنافسة التي يفرضها السوق. عندما يطالب الليبراليون باحترام وحماية حريات الأفراد فلا يفعلون ذلك لاعتبارات حقوقية فقط، إذ الحرية حق طبيعي لأي فرد، بل أيضا لما يضمنه هذا الاحترام من شروط التقدم المادي المحض. فالحرية رديف الليبرالية كما تدل على ذلك التسمية، بداهة.
إسماعيل بلاوعلي